*عبدالله عزوزي
لقد حافظت الأرض على رماديتها والسماء على صفائها، ورفض فصل الشتاء أن يأتينا على الطريقة التي عهدناه بها :
سحاب ثقال .. أمطار .. ثلوج .. برد .. رطوبة .. اشتياق للشمس، ونباتات تُطِل من على وجه الأرض كما يطل الأطفال من تحت أغطية أسرتهم صباحا.
لم يبق هناك أدنى شك في أننا نعيش لحظة جفاف بامتياز، والدعاء المأثور ” اللهم اسق عبادك و بهيمتك، و انشر رحمتك، و أحيي بلدك الميث” أصبح يرفع دُبُر كل صلاة منذ أزيد من شهر تقريبا، و مظاهر الخوف من إخلاف الموعد مع موسم فلاحي جيد أصبحت تُرى في تجلياتها واضحة.
هذا الواقع الجاف و الأليم، هو فرصة للنظر من حولنا من أجل النبش، ولو بشكل سريع، عن الأسباب الحقيقية، فضلا عن التفسيرات الدينية المرتبطة بالجشع و الانحطاط الأخلاقي، المرتبطة بظاهرة بغياب التساقطات المطرية، والمرتبطة بدورها بظاهرة ما يسمى بالانحباس الحراري.
من بين تلك الأسباب ما يلي:
• الحملة الشعواء على الرصيد الغابوي وظاهرة اجتثاث الأشجار. فإذا كان الغطاء الغابوي هو بمثابة المُحاور الرسمي على الأرض للغيوم في السماء، وأنه يوفر لها حاضناً إيكولوجيًّا مُغْرياً، و هذا ما تشهد به غابة السفانا (savannah) بإفريقيا وغابات الأمازون بأمريكا اللاتينية، و بغطاء غابوي كثيف و مماثل بكل من ماليزيا و إندونيسيا، وهي مناطق معروفة بكثرة تساقطاتها، فإن رئات المغرب بكل من الأطلس والريف تعرف استنزافا غير مسبوق أمام أعين السلطة والبرلمان. فإذا كان الرعي و حطب التدفئة أهم دوافع مسح الغابة من الوجود بالأطلسين، فإن مسألةَ زراعةِ القنب الهندي بالمناطق الريفية هي السبب الوحيد والأوحد في تفضيل عائدات “خردالة” و “ارزينة” على أدوار أشجار العرعار و الخروب … و الحصيلة هو ريف يكاد يبدو كرأس رجلٍ أصلعٍ عاريٍ، غير قادر على توفير الظِّلِّ لنفسه، فبالأحرى لغيره.
• أما بالوسط المغربي فإن الفوضى الخلاقة في ميدان التعمير أعطت الأسبقية للتوسُّع العمراني على حساب السهول والضيعات الفلاحية التي غَلَّفَ الإسمنت وجهها بعدما اقتلع السماسرة و “المنعشون” العقاريون آخر جِذْع فوق ترابها. و ما الحالُ الذي آلت إليه سهول فاس سايس سوى نموذج قريب و مصغر مما يحدث لخَزّانات مياهِ وحبوبِ المغاربة. فقبل بضعة أعوام فقط كانت كلية الآداب و العلوم الإنسانية فاس سايس مُحاطَةٌ بسهول متراميةِ الأطراف. الأن هي عبارة عن عمارات و فيلات راقية تفصلها ممرات “مُزَفَّتة” تمانع في وصول المطر إلى جوف الأرض.
• ظاهرة تلويث مياه الأنهار بمادة المرج الناتج عن عملية عصر الزيتون، كما هو الشأن بالنسبة لأنهار و سدود إقليم تاونات، أو بالنفايات الناتجة عن التصنيع، كما هو الحال بالوديان المحادية للمدن الصناعية.
• ينضاف إلى هاته الظواهر ظاهرة السلوكات الاستهلاكية عند المغاربة، بدأً بأسطول سيارات و حافلات النقل العمومي والخاص، والذي يعتبر المسؤول الأول عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيسي للانحباس الحراري، مرورا بغياب ثقافة تدوير النفايات (Recycling) و تدنيس البيئة بالزجاج المكسر العَسِير التحلل. والظواهر التي تقف وراء الكارثة التي تلوح في الأفق لا تقف هنا طبعا. فاللهم لطفك .
*عضو الأمانة الإقليمية ل.ن.م.ص.م. – تاونات