المجتمع الأمريكي وحرية النقد الفني والثقافي في مواجهة مساوئ تناقضاته
تعمل السلطات الأمريكية على اختلافها ووظائفها في حمل المجتمع الأمريكي على مكاشفة نفسه وعرض أمراضه وتناقضاته والتحديات التي تواجهها بواسطة وسائل الرصد الطبي والعلمي والفني والثقافي، دون خوف أو مركب نقص، وتتنافس الشركات والمؤسسات والأفراد على القيام بذلك لوضع الأضواء والمرايا العاكسة لحقيقة هذه الأمراض في أفق احتوائها والحد من تداعياتها على السلم والاستقرار في المجتمع، مما شجع على سرعة التواصل والمواجهة وإنتاج الأمصال ووسائل العلاج الملائمة لخطورة نتائجها الاجتماعية والصحية والسياسية والثقافية.
إن ما ينفق في المجتمع الأمريكي على البحث العلمي ومختلف أدوات المعالجة يوضح أهمية الاختيار المجتمعي للدفع والترافع والبحث والفحص والعلاج، انطلاقا من القوانين الأمريكية التي تسمح بذلك في كل المجالات ذات الصلة، وعلى رأسها في النظام الأمريكي الديمقراطي، حرية الإبداع التي توفر اليوم اقتصادا خدماتيا منتجا للقيمة المضافة وللأرباح للشركات والمكاتب والمؤسسات العاملة فيه، ومنها مؤسسات الإنتاج الفني والثقافي التي تسيطر على هذا الاقتصاد داخل أمريكا وخارجها، كمدينة هوليود السينمائية التي تتنافس شركاتها على السبق في تحويل إنتاج جميع الأعمال السينمائية التي تقوم بنقد ورصد ومعالجة الظواهر المرضية الاجتماعية والصحية التي يمكن أن تعرض المجتمع الأمريكي للخطر، ناهيك عن ما تحصل عليه من أرباح في القطاع.
هل تنافس الدول النامية أو المعروفة بدول العالم الثالث أمريكا في حرية الإبداع التي لا يخشى فيها الموهوبون من رجال الثقافة والفن من ردود الفعل ..؟ سواء من قبل الدولة أو أي مؤسسة معنية بهذا المجال على امتداد الولايات الأمريكية .. فبالأحرى هذه الدول النامية الغارقة في أمراضها الجسدية والنفسية والاجتماعية التي تقتضي امتلاكها لوسائل المواجهة والعلاج، ومنها وسائل العلاج الفني والثقافي التي برهنت على فعاليتها في تحقيق النتائج المتوقعة منها، ويا ليت هذه الدول العالم ثالثية تنخرط في هذا الورش العلاجي عبر حرية الإبداع الفني والثقافي حتى تتمكن من احتواء هذه التحديات المرضية التي تعاني منها.
إننا في المستقلة بريس، على بينة من الأهمية التي تحتلها حرية الفكر والإبداع في المجتمع، وما يمكن أن يحققه عبرها إذا ما كانت هذه الحرية مصانة ومحمية من التجاوزات والتعسفات التي يمكن أن تأتي من السلطات أو الجمعيات أو الأفراد، فقليلة هي المجتمعات النامية التي وعت بحرية الإبداع في السينما والمسرح والموسيقى والرياضة والأدب، وسخرت كل ما تملكه من وسائل الدعم للفاعلين في هذا المجال الثقافي والفني، وما أحوجنا في نموذجنا الاجتماعي المغربي إلى توسيع فضاء الحريات في هذه المجالات الفنية والثقافية والرهان عليها لتحقيق التقدم الحضاري والثقافي من جهة، ومعالجة أمراضنا التي تفاقمت وتناسلت وأصبح من الحتمي رفع الحصار والوصاية على حرية الإبداع في مواجهتها.