المسيرة الخضراء المظفرة .. حدث القرن العشرين بامتياز .. !
بحلول سادس نونبر 2015، تحل الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة نحو أقاليمنا الجنوبية، والتي كانت محطة تاريخية مفصلية، بحيث شكلت صفعة قوية لإسبانيا التي ظلت لسنين عديدة تسيطر على الصحراء، والتي جاء خلاصها على يدي المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني قدس اللـه روحه، من خلال خطاب سامي تاريخي وجهه إلى الشعب المغربي يوم 16 اكتوبر 1975، على إثر صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية .. الخطاب الذي يقضي بتنظيم مسيرة خضراء سلمية، مكونة من 350 ألف متطوع من سكان جميع أقاليم المملكة، بغية تجديد حبال الإخاء مع إخوانهم المغاربة في الصحراء المغربية .. وقد كانت أغلى أمنيات جلالته -كما قال- أن يكون على رأس تلك المسيرة السلمية، لو لا دوره كقائد الذي كان يحتم عليه أن يبقى في مركز القيادة، من أجل أن يظل ساهرا على حسن تنفيذ الأوامر، ويبقى على تواصل دائم مع مختلف أقاليم المملكة .. أجل، إن حدث المسيرة الخضراء .. مسيرة الأمة، كان الحدث التاريخي الكبير الذي شهده القرن العشرين، والذي سيبقى راسخا في الذاكرة المغربية على مر الأجيال.
بحق كان يرمي جلالته من قراره السديد الوطني، الديمقراطي والإسلامي تحقيق التواصل بين أجزاء الوطن الكبير، وطمس آثار الحواجز الوهمية التي كان يقبع خلفها المستعمر الإسباني .. معتمدا في ذلك جلالته على إعلان محكمة العدل الدولية بلاهاي التي اعترفت بمغربية الصحراء، نظرا لارتباطها بالمغرب منذ أزمان بعيدة .. الاعتراف الذي عزز الخطاب المولوي السامي الذي استهله جلالة المرحوم الحسن الثاني بقول اللـه تعالى: ” قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” .. خطابا كان الحافز الذي زاد من حماس وعزم المواطنين المغاربة على المشاركة في المسيرة بكثافة لا نظير لها، كما أنه كان بمثابة قنبلة موقوتة تفجرت بين أبناء الشعب المغربي المتمسكين بحقهم في استرجاع الأقاليم الجنوبية إلى حظيرة الوطن الأم .. وهكذا انطلقت جموع المتطوعين قاصدين الصحراء المغربية متسلحين بكتاب اللـه وإيمان قوي بعدالة قضيتنا المشروعة، الشيء الذي جعل المسيرة تلقى دعم وتقدير شعوب العالم .. ومما لا يترك للشك مجالا، فإن فكرة العاهل الراحل كانت فعلا صائبة للغاية، بحيث جعلت المجموعة الدولية التي كانت أنظارها متجهة إلى بلادنا للتعرف على موقف المغرب بعد قرار محكمة العدل الدولية بوجود روابط قانونية، وروابط البيعة بين المغرب وأقاليمه الجنوبية، تقف وقفة اندهاش وتعجب أمام قرار الملك الحكيم من جهة، وأمام استجابة الشعب المغربي لصوت الحق الذي انطلق مدويا مجلجلا ليعلن للعالم أجمع أن الصحراء مغربية، وأن سكان المغرب في الشمال تربط بينهم وبين سكان الصحراء صلات الدم والقربى من جهة ثانية، وهذه الصورة الرائعة التي رسمها الشعب المغربي المعبرة عن حب الوطن، دفعت العديد من وفود الدول الشقيقة والصديقة لمواكبة الحدث والمشاركة في المسيرة، التي كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ المغرب الجديد، وكان من نتيجة هذا التحول أن الصحراء أصبحت جزءا لا يتجزأ من المغرب الحبيب، حيث قال جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني جازاه اللـه خيرا على ما قدمه لهذا الوطن من أعمال جليلة .. قال في وصف المسيرة: “طوبى لكم أيها المتطوعون لأنكم خلقتم مدرسة سياسية جديدة، ووعيا سياسيا جديدا في المغرب”.
وذكرى المسيرة اليوم، تجعلنا نستحضر ما عرفته الأقاليم الجنوبية من تحولات جذرية كبيرة وهامة في مختلف المجالات، لها أثر إيجابي وفعال على المنطقة، بحيث منذ استرجاعها سطر المغرب برنامجا سخر له جميع وسائل البناء والتشييد، بغرض تهيئ وتنمية كل المناطق في التخوم الصحراوية لتصبح صالحة للعيش، بدل الحالة المزرية التي تركها عليها المستعمر الإسباني .. وللتذكير، فلا زال الجميع بالمغرب وفيا لروح المسيرة الخضراء.