لا للغة الاستعمار … !
تناول العديد من الزملاء في مختلف المنابر موضوعا تطرقوا فيه إلى ما آل إليه وضع اللغة العربية، بحيث وقفوا من خلاله على خطر الحملة الجائرة على هذه اللغة، وما أصبحت تتعرض له لغة الضاد من إهانات وإهمال، وفي نفس الآن عاتبوا بشدة كل الذين يصرون على التوجه إلى المغاربة الذين من بينهم الكثير من لايفقه في اللغات الأجنبية شيئا، ونبهوا كذلك أولائك المصرين على إهانة واحتقار المغاربة الذين يقدر لهم الحضور في بعض المحافل بإنجاز مداخلات باللغة الفرنسية، نبهوهم إلى أن هذا الفعل يعد خطأ فادحا في حق أبناء وطنهم، وضربا عرض الحائط بمضمون الفصل الخامس من دستور 2011، الذي ينص على أن تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها .. وبالتالي، هو احتقار للغة الضاد التي هي لغة القرآن الكريم المهيمن على ما سواه من الكتب السماوية الأخرى، ولم يكونوا بهذا ضد الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى ولا محاربين للغات الأجنبية، والنهي عن تعلمها والكلام بها، بقدر ما كانوا يودون أن يحترم المغاربة بعضهم البعض عند المخاطبة، هذا الاحترام الذي هو كذلك احترام للمشاعر، وسعي إلى الحفاظ على اللغة من المؤامرات الساعية إلى طمس حقائقها بوحشية ضارية لتنال منها، لا لشيء إلا لأنها تعتبر لغة الخلود، حيث لا يمكن أن تزول عن الأرض إلا أن يرث اللـه الأرض ومن عليها، وستكون هي لسان اللـه الذي يخاطب به الناس يوم القيامة، كما قال ذلك الحسين بن علي رضي اللـه عنه، وقد يموت غيرها من اللغات وتبقى هي حية .. لأن لها مكانة سامية في نفوس المغاربة الأحرار الغيورين على دينهم ولغتهم، الذين لطالما واجهوا الصعاب لإثبات الوجود، والذين يعتبرون تعلم اللغة العربية والحديث والتخاطب بها فرض واجب على كل مسلم.
لكن ما هو واضح للعيان في أيامنا هذه، أن المسكونين بعقدة كل ما هو أجنبي لم يجيدوا الاستماع إلى الصرخة التي أطلقها الزملاء مذوية من فرط غيرتهم على لغة بلادهم وأجدادهم، ولم يستوعبوا البتة فحوى الرسالة، ولم يقلعوا عن عادتهم المشينة، (يسمعون بأذن عربية ويجيبون بلسان أجنبي) والدليل أنه ونحن نتابع كلمة السيد العربي بن الشيخ، المدير العام لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل في الملتقى الوطني للتكوين في مهن الإعلام والمعلومة، الذي نظمته وزارة الاتصال يوم 23 اكتوبر الجاري، إذ سمح لنفسه سيادة المدير العام بالتوجه إلى الحضور الذي ينحدر من أصول إسلامية مغربية، – باستثناء بعض الأجانب الذين يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة – باللغة الفرنسية، رغم أنه افتتح كلمته بالبسملة باللغة العربية، مبرهنا على أنه يجيد الحديث بها، ولم يقف الأمر عند هذا الأخير، بل أن السيد مدير البحث العلمي والابتكار بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، سار في نفس المنحى، بحيث هو الآخر ألقى محاضرته كذلك باللغة الفرنسية .. وفي هذا الصدد، فقد أشارت أصابع اللوم إلى منظمي الملتقى الذين أبانوا عن تقصيرهم، وعدم انتباههم إلى ضرورة استخدام الترجمة الفورية ليستفيد الجميع.
السؤال الحارق الذي يطرح بإلحاح شديد، لماذا أساسا استعمال لغة أجنبية من لدن شخصيات رسمية ُموجهة خطابها إلى مواطنين مغاربة اضطرتهم ظروفهم القاهرة غير باغين للصبر على الإهانة وهم فوق أرض وطنهم، أليست هذه تصرفات لامسؤولة لمن يساهمون في ضياع حضارتنا ..؟ إنها فعلا حالة يشفق عليها الأعداء قبل الأصدقاء .
إذن، إلى متى سيستمر الوضع على هذا الحال، ومتى إذن يعي كل مسؤولينا وأطرنا وغيرهم أن عليهم الالتزام بمخاطبة مواطنيهم بلغة بلدهم ..؟ أو لم يعلموا بعد أن اللغة العربية التي يتحاشون استعمالها في أحاديثهم، هي في عدة دول أجنبية تعد اللغة الرسمية الثانية، وأن الكثير من الأجانب من مختلف الجنسيات أصبحوا يتسابقون ويقبلون برغبة قوية على تعلم اللغة العربية، لأنهم خلافنا واعون بأنها لغة متميزة وذات منزلة رفيعة .. ولا يسعنا إلا أن نختم بقولة شيخ الإسلام ابن تميمة : ” اللسان العربي هو شعار الإسلام” فهل أنتم ياترى ( …) ..؟!