عراة في “الفيس بوك .. !”
علي دنيف حسن
من حسنات «الفيس بوك» وربما من سيئاته أيضا، إنه يسلط أكثر من ضوء على مستخدميه، ولهذا السبب، وتزامنا مع مستجدات الحياة تم تصميم برنامج ما زال قيد التجربة بإمكانه تحليل شخصية أي مستخدم يمكن الوصول إلى منشوراته على صفحته الشخصية ( البروفايل)، أو إلى جزء من تلك المنشورات.
وحتى بلا برنامج، يمكن معرفة أعماق أي فرد، ذكرا كان أم أنثى، في ضوء اهتماماته واختياراته، ومبادئه، ومحيطه الاجتماعي، بل وحتى أكاذيبه وادعاءاته، وكذلك الأقنعة التي يتستر خلفها، وستائر الدخان التي يطلقها بين الحين والآخر للتعتيم على أهدافه ونواياه الحقيقية.
حين يكتب أحد الحاصلين على شهادة عليا في اختصاص معين سطورا مليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية، فإن ذلك يمنحنا الكثير من الإشارات والدلالات، كتلك التي نحصل عليها من منشورين، أحدهما: بروح وعظية دينية، والآخر: صورة فاضحة ومخلة بالحياء، وكلاهما للشخص نفسه.
أبرز ثلاثة أضواء يمكنها أن تجعل منا عراة على «الفيس بوك» هي: معلوماتنا الشخصية، وطبيعة أصدقائنا، وسمات منشوراتنا، ولا يمكن الحديث عن الثلاثة بتوسع وإفاضة في هذا العمود القصير.
سرعة تدفق منشوراتنا، وحجم كتابتنا للتعليقات، ووضعنا للإعجابات، يكشف مدى فراغ أرواحنا وخلو حياتنا من مشروع إبداعي قادر على امتصاص وقتنا الثمين، وعجزنا يتضح أكثر عندما نلجأ إلى مشاركة منشورات الآخرين، ويكشف عن عدم قدرتنا على التعبير عما يجول في أنفسنا، وخلف هذا العجز عدة أسباب واحتمالات .. تذبذب اهتماماتنا، وتغيرها بسرعة، والتنقل من موضوع إلى آخر، يكشف عن تقلب أمزجتنا، وعن قلقنا، وعن عدم ارتباطنا بمبدأ أو قضية، ونقلنا وكتابتنا أي شيء عن أي شيء، يكشف عن نقصنا العميق للاهتمام العاطفي، وحاجتنا للمزيد من لفت انتباه الآخرين، وكأننا نصرخ بأعلى أصواتنا: للـه يا محسنين، وقد وصل الحال ببعضهم إلى مدارك مخجلة فباتوا يستحلفون الآخرين كي يقرؤوا منشوراتهم، أو يعلقوا عليها، أويعجبوا بها، فضلا عن ضرورة مشاركتها مدعين أنها مهمة جدا.
ازدواج الشخصية، لا سيما العراقية، نراه شاخصا بهيبة جبل في «الفيس بوك»، فالكثير منا تراهم مع الشيء ونقيضه، فإحداهن التي تدعي عزة النفس والكبرياء، تحطم كبريائها وادعائها هذا بحشد من الصور المليئة بعبارات التذلل والخضوع، ومن ينشر ما ينبغي عمله من عبادات في يوم عرفة، سرعان ما يعقب منشوره بصورة مثيرة للغرائز، وأما الازدواج في المواقف السياسية فيصل إلى حد التناقض المؤسف والمضحك كذلك.
ختاما، كل إجراء على «الفيس بوك»، ومهما كان بسيطا، قد يخلع جزءا مما ترتديه أجسادنا وأرواحنا، وقد يكشف عما في نفوسنا من أسرار وظلمات بعضها فوق بعض.