مجالس الجماعات والجهات وتحدي التنافس على البرامج التنموية
بعد اتضاح الخريطة السياسية ومعرفة نتائج استحقاق 04 شتنبر 2015، والشروع في التحالفات لانتخاب المكاتب المسيرة الجديدة، أصبح مطلوبا متابعة مدى قدرات هذه المكاتب المنتخبة على صياغة البرامج التنموية وتنفيذها خلال مدة انتخابها التي ستنتهي في سنة 2020، وسيكون الحكم على ذلك مبكرا على ضوء الأوضاع الجديدة لهذه المؤسسات المنتخبة، خاصة الجهوية التي منحت اختصاصات واسعة في إطار حدودها الجغرافية حتى عرض هذه البرامج من قبلها، وخصوصا التي ستكون لها أغلبية تمكنها من امتلاك القدرة على إنجازها إذا ما خضعت عملية صياغة برامج التنمية إلى نفس التدابير والأطراف والقوانين المعمول بها حتى الآن، فسوف لن تكون هذه المجالس رغم أغلبيتها المريحة في وضع ورسم برامج التنمية التي تتجاوب مع البرامج الانتخابية التي أوصلتها إلى سلطة القرار في هذه المجالس الجهوية.
إن الحديث عن تحدي البرامج التنموية يحيلنا على مناقشة التجربة الحزبية مع مسألة هذه البرامج، حيث نسجل ضعف هذه التجربة على امتداد عمر التجربة الديمقراطية باستثناء بعض التجارب في المجالس الاتحادية، التي حاولت أن تكون استثنائية في هذا المجال، وحينما تراجع الإشعاع الاتحادي في التدبير الجماعي، اختفت المحاولات التي يمكن أن توصف بهذا التعريف، ونتمنى أن تكون الأحزاب الفائزة في هذه الانتخابات قادرة على ترجمة هذا النموذج من التدبير التنموي، وعلى مراكمة التجارب في هذا الإطار، خصوصا من قبل الحزب الأغلبي الذي يقود الحكومة، ويتحدى العجز المسجل منذ مدة ولو ببرامج متواضعة ومحدودة يبرهن من خلالها على استقلاليته في صياغة البرنامج التنموي والسهر على إنجازه.
نحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعرف ما يتطلبه العمل في المجالس المنتخبة، ونعرف الإكراهات والتحديات التي تواجه المنتخبين في القيام بمسؤولياتهم، سواء كانوا في الأغلبية المسيرة أو في المعارضة، ونعرف أيضا أن صياغة البرنامج التنموي وحتى ميزانية التسيير تخضع لضوابط وشروط لا يتحكم فيها المنتخبون حتى وإن كانت الإمارة بالصرف في يدهم .. لذلك، سنكون مضطرين حتى يشرع المنتخبون في الجماعات والجهات في ممارسة مسؤولياتهم، وصياغة البرامج التنموية، وحينها سيكون من حقنا تقييم مضامين هذه البرامج ومجالاتها وأجندة إنجازها، دون أن نصدر أحكام قيمية سابقة لأوانها حول موضوع التنافس على البرامج التنموية في مجالس الجماعات والجهات الجديدة.
ما يتبين لنا في الظرف الراهن هو تضخم الخطاب عن مسألة التنمية من قبل أحزاب الأغلبية والمعارضة، والإفراط في النزعة المتفائلة من قبل الجميع حول ما يمتلكونه من برامج تنموية التي لا تحتاج إلا إلى تزكية المواطنين في الانتخابات، فبالأحرى التي أصبحوا يتوفرون عليها حاليا، وتسمح لهم بطرح برامجهم التنموية لجماعاتهم وجهاتهم دون خوف من المعارضة في الجهات التي يتمتعون فيها بالأغلبية بصفة خاصة.
إن تركيزنا على البرامج التنموية يفرض نفسه من الناحية السياسية، باعتبار شرعية هذه المجالس ستكون مرهونة بمدى القدرة على صياغة البرامج والإشراف عليها وإنجازها، وستكون كل الأنظار موجهة لهذه المجالس الجماعية والجهوية الجديدة لمعرفة طبيعة تعاملها مع المنظومة القانونية والاختصاصات التي وافقت عليها أحزابها في البرلمان مؤخرا، خصوصا بعد تسرب الكثير من المعلومات حول الاختصاصات الجديدة التي وضعت للجهات، وتقليص بعضها من الحكومة المركزية لفائدتها حتى تكون هناك جهوية موسعة متقدمة حقيقية يمكن من خلالها الاطمئنان لمشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه الوطن لتدبير أقاليمنا الصحراوية المسترجعة، وصياغة اندماجها الوطني في إطار هذه الجهوية الجديدة، وإلى حين عرض هذه البرامج التنموية الجماعية والجهوية لن نتسرع في الحكم عليها ونراهن على تحدي التنافس التنموي بين الأحزاب التي فازت الأغلبية فيها.