التنمية القروية والرهان على تفكيك بنية التحكم في خرائطنا الانتخابية و السياسية ..! ..
عبد اللـه عزوزي
بعيدا عن لغة الكرم الحاتمي، ووداعة الساكنة، وسلامة الصدر و بساطة العيش التي التصقت بمجتمعات عالمنا القروي، و التي ظلت تطرب مسامعنا لعهود طويلة، علينا أن نعترف بكل تواضع وشفافية، أن نفس المجتمع القروي الوديع هو الذي أفسد مجالسنا وجماعاتنا القروية، كما ألحق الإعاقة ببرلماننا المغربي وعرقل تنميتنا و أجهض مشروعنا النهضوي منذ أن قرر المغاربة أن يعيشوا أحرارا و مستقلين عن سيطرة المستعمرين الفرنسيين.
الراسخون في فقه السياسة المغربية يدركون جيدا بأن قرار سكان البادية المغربية باستيطان الهضاب والجبال والزهد في مباهج الحياة، والنأي بالنفس عن هدير المحركات وضوضاء المطارات والطرق، كان بمثابة قطعة خبز محشوة بالجبن و العسل بالنسبة للساسة الجائعين .. فلقد ظلت الساكنة القروية المغربية، التي طالما كررت المناهج التربوية المعاد طبعها عند كل دخول مدرسي بأن نسبتها تفوق 75%، ظلت عبر التاريخ تعيش من نفسها لنفسها، تمتطي الدواب فوق طرقاتها، و تلبس وبر بقرها وإبلها، وتفترش سعوف النخل وتأكل من لحوم قطعانها ودواجنها، وتشرب من ماء منابعها وأبار حفرتها بسواعدها، في غياب تام لأبسط لمسات المجالس المسيرة التي نجحت في تفقير البادية وإغناء المدن المجاورة ببناء فيلات شخصية باذخة من عائدات اكتراء الأسواق الأسبوعية التي ينشطها المرتفقون و دافعي الضرائب.
وهي متزوجة بالفقر ومنتشية به بسبب ما يوفره جوها الطبيعي من هدوء وزرقة السماء ودفئ أشعة الشمس، دأبت البادية المغربية عبر مختلف المحطات الانتخابية، و إلى حدود الرابع من شتنبر الجاري، على أن تلعب دور الخزان الانتخابي لسماسرة الأصوات الانتخابية الذين لا يختلف حالهم عن حال تاجر الحبوب أو الزيتون الذي يدخل السوق فجرا ب “شكارة الفلوس” و”ميزان” أقرب إلى تمثال أبى الهول قادر على تحويل السوق إلى ما يشبه صحراء مصر، ويخرج منه زوالا وقد شحن شاحنتين أو أكثر بغلة كلفت بائعيها الدم و العرق و تعب الشهور الطوال ..!
البادية المغربية بلغة الحاسوب هي “مختصر/ shortcut/raccourcit” لأباطرة الانتخابات، لأنها أقصر طريق لعديمي الأهلية من أجل الولوج إلى بهو البرلمان المغربي من الأبواب والردهات الخلفية .. هي كذلك بمثابة بيت عنكبوت، بحجم كهف عريض ومظلم، يسهل اختراقه وسرقة ما فيه …!
إن حاملي التأشيرة الجهوية أو البرلمانية القروية هم الذين يعيدون إطفاء وهج فوانيسنا وسرقة الفائض من مصابيح ثرياتنا، من أجل تهيئة الظروف لإعادة رسم خرائطنا السياسية وقوانيننا التنظيمية وعرقلة مسيرتنا التنموية وتهديد أمنا الوطني و استقرارنا الروحي، و إضعاف موقعنا وتموقعنا الدولي ..!
لهذه الدواعي والأسباب، على الغيورين والصادقين أن يعملوا على تفكيك بنية التحكم في رقاب ساكنة العالم القروي من خلال الإنكباب على تنمية البادية المغربية وجعلها قرى نموذجية تقدم خدمات اجتماعية تليق بكرامة الإنسان، و تتوفر على طرق معبدة وبنى تحتية كتلك المتواجدة بالمدينة .. فمن شأن هذه المقاربة أن تقطع الطريق على المستشارين/المنتخبين الذين يحتكرون وسائل النقل ودكاكين التسوق وجرارات الحرث ومعاصر الزيتون وآلات الحصاد … و يجعلون خدماتها وسيلة لضمان الولاء الانتخابي.