حكاية من الواقع ..!
مراكش / البشير المشتري
وقفت معلمة الصف الخامس ذات يوم، وألقت على التلاميذ جملة :” إنني أحبكم جميعاً، وهي تستثني في نفسها تلميذ يدعى تيدي ..!”
فملابسه دائماً شديدة الاتساخ .. مستواه الدراسي متدن جدا ومنطوي على نفسه.
وهذا الحكم الجائر منها كان بناء على ما لاحظته خلال العام ..فهو لا يلعب مع الأطفال، و ملابسه متسخة
ودائما يحتاج إلى الحمام .. و أنه كئيب لدرجة أنها كانت تجد متعة في تصحيح أوراقه بقلم أحمر،
ذات يوم، طُلب منها مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ، وبينما كانت تراجع ملف تيدي فوجئت بشيء ما ..!
لقد كتب عنه معلم الصف الأول : تيدي طفل ذكي موهوب يؤدي عمله بعناية و بطريقة منظمة.
و معلم الصف الثاني : تيدي تلميذ نجيب ومحبوب لدى زملائه و لكنه منزعج بسبب إصابة والدته بمرض السرطان.
أما معلم الصف الثالث كتب: لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه، لقد بذل أقصى ما يملك من جهود، لكن والده لم يكن مهتما به، وإن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تتخذ بعض الإجراءات.
بينما كتب معلم الصف الرابع : تيدي تلميذ منطوي على نفسه لا يبدي الرغبة في الدراسة وليس لديه أصدقاء و ينام أثناء الدرس.
هنا أدركت المعلمة “تومسون” المشكلة وشعرت بالخجل من نفسها .. !
و قد تأزم موقفها عندما أحضر التلاميذ هدايا عيد الميلاد لها ملفوفة بأشرطة جميلة، ما عدا الطالب تيدي، كانت هديته ملفوفة بكيس مأخوذ من أكياس البقالة.
تألمت السيدة تومسون وهي تفتح هدية تيدي وضحك التلاميذ على هديته، وهي عقد مؤلف من ماسات ناقصة الأحجار وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع.
ولكن كف التلاميذ عن الضحك عندما عبرت المعلمة عن إعجابها بجمال العقد والعطر وشكرته بحرارة، وارتدت العقد ووضعت شيئا من ذلك العطر على ملابسها،
ويومها لم يذهب تيدي بعد الدراسة إلى منزله مباشرة،بل انتظر ليقابلها وقال : إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي ..!
عندها انفجرت المعلمة بالبكاء، لأن تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة ..!
منذ ذلك اليوم، أولت المعلمة اهتماما خاصا به، وبدأ عقله يستعيد نشاطه، و بنهاية السنة أصبح تيدي أكثر التلاميذ تميزا في الفصل، ثم وجدت السيدة مذكرة عند بابها للتلميذ تيدي كتب بها أنها أفضل معلمة قابلها في حياته، فردت عليه أنت من علمني كيف أكون معلمة جيدة.
بعد عدة سنوات، فوجئت هذه المعلمة بتلقيها دعوة من كلية الطب لحضور حفل تخرج الدفعة في ذلك العام، موقعة باسم ابنك تيدي .
فحضرت وهي ترتدي ذات العقد وتفوح منها رائحة ذات العطر ..هل تعلم من هو تيدي الآن ..؟
تيدي ستودارد، هو أشهر طبيب بالعالم، ومالك مركز (ستودارد) لعلاج السرطان.
ترى .. كم طفل دمرته مدارسنا بسبب سوء التعامل ..؟! كم تلميذ هدمنا شخصيته ..؟!