تستدعي نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة تهنئة حزب العدالة والتنمية على الطريقة التي أدار بها الحملة الانتخابية، رغم الهفوات وردود الفعل الانفعالية التي وجد رئيس الحكومة نفسه في شباكها، وعلى الفوز الكبير العريض بشهادة المراقبين، وفي معاقل الأحزاب التقليدية التي نافسته فيها، وإن كانت هناك من خلاصات يمكن الوقوف عندها، فهي تمكن حزب العدالة والتنمية من فرض نفسه على خصومه بنظافة اليد، والتواصل الدائم مع المواطنين، رغم ضعف تدبيره للشأن الحكومي كما يعترف بذلك قياديوه، وتطور إشعاعه على مستوى خريطة الوطن كقوة حزبية لا يمكن التقليل من شأنها في المشهد السياسي، ورهانه المطلق على ضرورة تكريس وتفعيل إيمانه بمرجعيته الدينية التي يقودها دراعه الدعوي “حركة التوحيد والإصلاح” التي تزايد نشاطها في التجمعات السكانية الكبرى، والتي تستفيد من الدعم المالي الذي يأتي من منخرطيها ومن مصادر أخرى، والذي توظفه في مجال التكافل الاجتماعي والدعوي، ولذلك كانت حملة حزب العدالة والتنمية أكثر فعالية بالمقارنة مع حملات الأحزاب الأخرى.
نحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لم نلمس ما تقوله أحزاب المعارضة عن توظيف الدين في الحملة، خاصة في المدن الكبرى، وإن نجح في ذلك، فهذا يحسب له ويحسب لمن يقف وراء حسن الاستخدام الذي لم يخرج عن قوانين الحملة وشروطها، وإن كان من المفروض الإبقاء على المعتقد الديني خارج الحملة الانتخابية السياسية، وبصفة عامة، وحسما للنقاش حول المال والدين في حملة حزب العدالة والتنمية فقد ترجم التزامه الأخلاقي الديني الذي وجد فيه الناخبون التفعيل المباشر للمرجعية التي يوظفها في نظامه السياسي باستمرار.
إن حزب العدالة والتنمية ليس هدية من اللـه كما عبر عن ذلك زعيمه ورئيس الحكومة السيد عبد الإله بن كيران، وليس هو صانع الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الوطن، ولا يتوفر هذا الحزب على الخبرة والدهاء في العمل الحزبي السائد، وإن نجح في هذه الانتخابات فهذا واضح كما أشرنا إلى ذلك في مقدمة هذا المقال إلى تميزه عن باقي الأحزاب في ربط المبادئ بالتطبيق من خلال الالتزام بالمرجعية الدينية وتفعيلها في العلاقات والمعاملات، مما أكسبه تجاوب المواطنين الذين لم يعد يجدونه في سلوك قياديي ومسؤولي ومناضلي معظم الأحزاب والنقابات على امتداد الوطن.
كما ساهمت نظافة اليد بالنسبة لمناضلي ومرشحي ومسؤولي الحزب في إضفاء المصداقية والشرعية على مشاركة الحزب في الانتخابات بالمقارنة مع باقي الأحزاب التي راهنت على (مالين الشكارة) والمفسدين، والتي كان رهانها خاطئا وسببا في التصويت العقابي ضدها.
حينما نهنئ حزب العدالة والتنمية على المنهجية التي تعاطى بها مع العملية الانتخابية، فهذا لا يعني أن باقي الأحزاب التي نافسته لا تمتلك ما يؤهلها لتحسين مكانتها لدى الناخبين، فهي الأخرى مرشحة لأن تستعيد هبتها ونفوذها إذا ما عالجت أخطاءها واحتوت مشاكلها وصراعاتها الداخلية كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
زر الذهاب إلى الأعلى