لا نعرف أين نضع مقال “لحظات تاريخية أخطأها المغرب السياسي”، لأستاذ علم الاجتماع عبد الرحيم العطري، الذي نخلص منه بطرح ما قيل عنه في المراجع التي اعتمدها لتزكية وجهة نظره من الموضوع حتى لا يقع في المحظور أو يتجاوز المتاح في حرية الرأي والتفكير، وحتى تكون مساهمته مادة للحوار عبر جريدة المستقلة بريس، سنركز على الجمل الاعتراضية التي جاءت في سياق وجهة نظره، التي تحاشت التعريف بهوية المرجعية والتوجه الذي تتبناه في استعراضها للاجتهادات التي وظفها في الموضوع، وليسمح لنا الأخ عبد الرحيم إن تجاوزنا أخلاقيات الحوار، ورفعنا من مستوى النقاش في الاتجاه الذي سنكون فيه على طرفي نقيض في بعض الأحيان.
تقول في سياق مقالك : “بالأمس القريب كما البعيد كان المغرب السياسي على موعد مع لحظات تاريخية، كانت ستحسم الآن وغدا بشكل أفضل، لكن سوء الاختيار أو تضارب المصالح وتباينها أو بشكل أوضح تعارض منطق هذه اللحظات وآفاقها المحتملة مع طموحات مالكي الإنتاج والإكراه، كل ذلك أتى على آخر ذرات الإصلاح وضيع علينا مزيدا من فرص الانتقال السوي نحو دولة المواطنين لا الرعايا المنضبطة بامتياز للحق والقانون” .. الأخ العطري، هل هذا الكلام المسترسل الذي يتحدث عن أحداث وفترة تاريخية دون أن يكشف حقائقها وإشكالياتها يمكن أن يجد فيها المهتم والقارئ العادي والمنتمي حزبيا ما يريحه عن طرح الأسئلة التي تلائم مضمونها ..؟ وهل مالكي وسائل الإنتاج والإكراه من المخلوقات الفلكية التي يصعب التعريف بها إذا كانت تنتمي إلى هذه الأرض وإلى تاريخها ..؟ وهل التعارض والتباين الذي حدث بين هذه الأطراف التي ضيعت على المغاربة هذه اللحظات التاريخية لا يعرفهم المغاربة خارج الأحزاب والنقابات التي عاشت هذه اللحظات التاريخية ..؟ وهل لا يزال مقبولا أن نتحدث عن الرعايا في زمن العهد الجديد الذي يتحدث للمغاربة كمواطنين ..؟
إنه ملك يحكم بالبيعة السياسية والدينية التي تستوجب عقدا اجتماعيا تجدد فيه الرعية .. الأمة .. المواطنون التزامها وتجد من يمارس الحكم باسمها ولا يجسد عقد الرعية والأمة أو المواطنون المستمرة لتجديد ولائها يوم عيد العرش، وإن لم يحدث تغيير في الطقوس الاحتفالية في الماضي، ففي عهد جلالة الملك محمد السادس تجددت هذه الطقوس جذريا وأصبح الاحتفال بعيدا عن المظاهر التقليدانية التي وصفت بها بيعة الشعب للجالس على العرش، وستعرف هذه الطقوس المزيد من التحول مستقبلا واستمرارها لا يشكل دليلا على عدم انفتاح الدولة على المجتمع .. وبالتالي، فإن ما أقدم عليه جلالة الملك برهن على روح التجديد والتحديث في النظام الملكي التاريخي نحو ما يسهل عليه مسايرة التغيير الذي تعرفه الأنظمة الملكية في الظرف الراهن.
من جهة أخرى، يصر جلالة الملك على ترجمة عقد البيعة بالفعل الملموس في ظل حكمه الذي يقوم على دولة المؤسسات والحق والقانون في إطار الملكية الثانية التي تتبنى قواعد الحكم المدني الديمقراطي الحداثي، والتي استكمل تأسيسها بدستور 2011 الذي عالج نقائص فترة الانتقال الديمقراطي التي قادتها حكومة التناوب الأولى، والتي تعززت بالاستقرار في حكومتي التناوب الثانية والثالثة التي يقودها رئيسها المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، وهذا ما يفتح أكثر من تأويل على ما عبرت عنه باستمرار الدولة التقليدانية السلطانية، وعدم تقرير مصير الشعب الصحراوي الذي عاد إلى حضن وطنه بعد تحرير الصحراء بالوسائل السياسية السلمية، والذي يوجد إحماع وطني قوي حول قضية الوحدة الترابية في معالجته، ناهيك عن استغرابك من استمرار طقوس الدولة المخزنية التي تتعارض ومواصفات الدولة المدنية الديمقراطية العصرية التي تتبناها الملكيات العربية المعاصرة، كما أنك من الذين لا يزالون يتوهمون في تحليلاتهم التنظيرية التي تفتقر إلى ما يعزز قيمتها على أرض الواقع .. أولائك الذين يزاوجون بين الاجتهاد والتمرير المخدوم لوجهات نظرهم الخاصة اتجاه القضايا التي يتناولونها بالدراسة في المشهد السياسي والإيديولوجي بصفة عامة، والذين يلوحون بخلاصاتهم لتسويقها لكل من يرغب في تبرير تصرفاته ومواقفه، وهؤلاء بالنسبة لنا معروفون في تخيلاتهم الفوقية التي توزع أرقى السموم في الخبر الجاهز للهضم من قبل الذين لا يزالون يؤمنون ببراءة الدراسات وعمقها العلمي ومصداقيتها المنهجية، لذلك لم نكن مستغربين لنزوع وجهة نظرك التي لا تختلف في مضمونها الذي يخدم كل الأذواق وجميع الميول التي تبحث عن من يروج لتوجهاتها وسلوكاتها التي يصلح استخدامها لجميع الأغراض الدعائية والتجميلية.
لن نحكم على نواياك الخاصة، ولكن ماتوحي به في سياق كلامك يدل على أنك لا تريد أن تقطع شعرة معاوية مع الذين يصرون على تزييف الحقائق والركوب عليها لتمرير قناعاتهم كأنها قناعات عامة، وفي هذا الإطار، يحق لنا أن نتساءل معك حول مدى القبول بها وسط الرأي العام الذي حسم أمره مع هذا النموذج من الفكر العدمي والمناوئ للمسؤولية التي يلتزم بها الجميع .. وتأكد أن هذا النوع من الخلاصات المزعجة لم يعد يخيف أحدا، وأن أصحابه أصبحوا على بينة من أنهم عل خطأ، ولا مفر لهم من القبول برأي الأغلبية التي حسمت أمرها إلى جانب القوى الحزبية والنقابية التي دونت ذلك في منظومتها القانونية والأيديولوجية مما يجعلنا قادرين على تصنيفك مباشرة مع “…” للموضوع بقية.
زر الذهاب إلى الأعلى