من حق من يمتلكون القوة الشرائية التي تناسب جميع تقلبات الأسعار أن يفتخروا بمستوى معيشهم حتى لو كانوا مجرد أقلية وسط واقع نسيجنا الاجتماعي الذي شكل المقهورون فيه قاعدة الهرم المجتمعي، سواء في الوسط الحضري أو القروي، ومن حق هذه الأقلية المحظوظة أن تتنافس مع من يوجدون في مثل أوضاعهم في الخارج على مستوى الاستهلاك، سواء بالنسبة للمواد الاستهلاكية أو المواد الراقية التي تخصهم وحدهم فقط و لايقترب منها فقراء الوطن، وأن تظهر عليهم النعمة انطلاقا من القوة الشرائية التي تفوق لهيب الأسعار في الأسواق، لكن أن تكون هذه القوة الشرائية بالنسبة للسواد الأعظم في المجتمع فهذا واقع غير طبيعي يجب على الأطراف المهتمة بتدبير اقتصادنا أن تعالجه، وأن تجعله في متناول هذه الشرائح التي تبخرت قوتها الشرائية وأصبحت مجبرة على أن تشارك في الاستهلاك بما هي عليه قوتها الشرائية في المناسبات المتعاقبة، التي أصبحت طقوسها الاحتفالية تلزمهم بمصاريف تفوق دخولهم المتواضعة التي لا تكفي للنفقات الإلزامية الأساسية، فبالأحرى أن تكون احتفالاتهم بهذه المناسبات بنفس مستوى استهلاك الأقلية الميسورة التي يصل استهلاك بعضها إلى درجة الإباحية والتبدير الفاحش الذي يضطر الكثير إلى اللجوء إلى القروض أو بيع الأثاث، أو ممارسة بعض السلوكات المنحرفة من أجل الاحتفال بطقوس المناسبات التي يجب أن يسقط الاحتفال بالنسبة لهم شرعا في ظل الفقر والبؤس الملموس الذي يواجهونه.
هل يعي هؤلاء المحظوظين الذين يتوفرون على قوتهم الشرائية المرتفعة أن مقهوري الوطن أصبحت المواد الاستهلاكية الأساسية في غير متناولهم، وأن مستوى استهلاكهم الغذائي في تراجع كبير، وأن جلهم لم يعد يستهلك منها إلا كميات صغيرة وعلى فترات تصل في بعض الأحيان إلى الأسبوع، سواء بالنسبة للحوم أو الأسماك أو الألبان ومشتقاتها، أو بالنسبة للخضر أو الفواكه، وأن هذا الواقع الاستهلاكي يتجه إلى المزيد من الانكماش حتى بالنسبة للطبقة الوسطى التي تضاءلت مقاومتها أمام الارتفاع الصاروخي للأسعار بالنسبة لجميع المواد الاستهلاكية ..؟
نحن ندق ناقوس الخطر والإنذار إلى ما يمكن أن يسفر عنه هذا “التشرميل” لجيوب معظم المقهورين في الوطن، الذين أصبحت أوضاعهم عاجزة على تحمل المزيد من تكاليف هذه المعيشة المرتفعة في أسعارها الملتهبة من خلال ما أصبحت عليه نتيجة التنافس الاحتكاري بين المتحكمين في الأسواق الاستهلاكية التي تؤمن مصالح ورغبات الطبقة المحظوظة في المجتمع التي أصبح استهلاكها لايختلف عن واقعه في الدول الأكثر تطورا وتصنيعا في أوربا وأمريكا وآسيا، والذي لم يعد مجرد التفكير فيه متاحا أمام الأغلبية المقهورة.
نتمنى أن يكون الحديث عن الرفاهية الاستهلاكية منبها للمتحكمين في القرار الاقتصادي في الوطن، حتى يتمكنوا من التدخل لمعالجة الفجوة التي تفصل أغنياء الوطن عن فقرائه بالنسبة لهذه الرفاهية الاستهلاكية، التي لن تتحسن بدون معالجة أسبابها الحقيقية المتمثلة في طبيعة دخل وأجور معظم مقهوري المغرب، الذين أصبحوا عاجزين على مواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة التي لا زالت على تطورها لفائدة هذه الأقلية المحظوظة فقط.
زر الذهاب إلى الأعلى