يمكن للنساء في المغرب الشعور اليوم بالاطمئنان على ما تحقق لهن في مجال المشاركة السياسية، حيث تمت المصادقة برلمانيا على رفع النسبة من 12 بالمائة إلى 27 بالمائة بفضل ضغط المنظمات المدنية النسائية، ونضال القطاعات النسائية في المشهد الحزبي والنقابي، اللائي نجحن من خلال وجودهن البرلماني في تحقيق هذا المكسب السياسي، الذي سيعزز الحضور النسائي في المؤسسات المعنية بالتدبير التنموي في الجماعات الترابية، وفي المؤسسات الوطنية المعنية بصناعة القرار وتنفيذه، ولا يسعنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، إلا أن نهنئ نساء المغرب على هذا الإنجاز السياسي الذي يوجه نضالهن من أجل المساواة والدمقرطة والتنمية.
إن سؤالنا كعنوان لهذه المتابعة الصحفية، يطرح نفسه على المنظمات المدنية النسائية من أجل معرفة الخطوات والمبادرات التي ستترجم هذا المكسب السياسي داخل الأحزاب والنقابات، وخلال العملية الانتخابية الجماعية والجهوية المقبلة .. فماذا تمتلك هذه المنظمات النسائية لهذه المعركة النضالية على مستوى البرامج والصيغ المشتغلة للنساء في الأحزاب والنقابات المعنية بتنفيذ القانون في الانتخابات المقبلة ..؟ وهل سيكون هناك تنسيق بين المنظمات المدنية النسائية والقطاع النسائي في الأحزاب والنقابات لتفعيل مشروع القانون، وممارسة الضغط لإرغام الأحزاب على حسن تنفيذ القانون الجديد ..؟ وماذا بعد هذا الإنجاز السياسي بالنسبة لنضال هذه المنظمات النسائية في تحسين وتفعيل الحضور النسائي ..؟
تطرح المشاركة السياسية للنساء مسألة إعدادهن للمسؤوليات الجديدة، كما هي مطروحة دائما بالنسبة للرجال، حيث لا تمتلك الأحزاب والنقابات برامج للتأهيل القانوني والإداري الذي يتطلبه الوجود النسائي في المؤسسات الجماعية، وأرقى ما تتوفر عليه هو تلك الندوات التي تنظمها بمناسبة بداية العمل في هذه المؤسسات المنتخبة، فكيف ستدير أحزابنا ونقاباتنا الوجود النسائي في المؤسسات .. وهل ستتدارك عجزها على تأهيل من يمثلها في البرلمان الذي لا يزال المحسوبون عليها من الرجال يفتقرون إلى ما يساعدهم على الارتقاء بوظائفهم، فبالأحرى النساء اللائي ستتولين تسيير الجهات والجماعات باسم هذه الأحزاب والنقابات ..؟ وهذا ما يقوي الأمل في أن نتمنى أن تتمكن الأحزاب والنقابات من مواجهة هذا التحدي الجديد، ونتطلع أن تساعد المنظمات النسائية في هذا المجال حتى لا تكون المطالبة بالمناصفة في الاتجاه الذي يعزز جهود هذه المنظمات النسائية في تأهيل المرأة لوظائفها المجتمعية، وحتى لا تخسر توجهها التنويري والتأهيلي للمرأة الذي يوجه أنشطتها اتجاه النساء وباقي البرامج المجتمعية.
صحيح أن مختلف المنظمات النسائية المدنية اشتغلت على موضوع المشاركة السياسية للنساء، لكن الفضل في تحقيق المكاسب الدستورية يعود إلى نضالات واجتهادات النساء في الفرق البرلمانية وفي القطاعات النسائية في الأحزاب والنقابات .. وعليه، أن حدود مساهمة المنظمات النسائية لا يتجاوز المستوى الاقتراحي فقط .. وبالتالي، أن المنظمات النسائية المدنية لا يجب أن تعتبر ما تحقق من مكاسب في هذه المشاركة السياسية للنساء من منجزات أنشطتها التي لا تزال تمارس في المدن وفي الفنادق، كما أن جلها لا يزال موجها بالرؤيا النسائية الضيقة العاجزة على الاعتراف بما يقوم به الجنس الآخر لصالح النساء، ناهيك عن المنظور الاستعلائي المرضي الذي يوجه سلوك الكثير من القيادات النسائية في هذه المنظمات المدنية، بالمقارنة مع النساء في الأحزاب والنقابات، التي تشتغل إلى جانب الرجال وتوجهها نفس الهموم والقضايا المجتمعية التي تناضل هذه الأحزاب والنقابات من أجل معالجتها في إطار تصوراتها وقراراتها.
لن نكون في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أوصياء على الحركة النسائية المدنية، وتلك التي تمارس في الأحزاب والنقابات، فمن دون شك أنهن ستحضرن متطلبات المرحلة والمعارك التي ستخوضها في هذا المجال السياسي وغيره من المجالات، لكننا من موقع نضالنا المدني والإعلامي نتطلع إلى أن تسارع المنظمات النسائية والقطاعات النسائية في الأحزاب والنقابات إلى طرح مسودات البرامج والمواقف والخطوات المزمع تنفيذها من أجل ترجمة هذا الإنجاز السياسي القانوني الجديد، وعدم الرهان على انخراط الأطراف المعنية بتطبيق هذا القانون في الأحزاب والنقابات، التي لا يزال جلها لم يحسم أمره اتجاه القضية النسائية حتى الآن، وحرص معظمها على التطبيق الذي يخدم واقعها التنظيمي والانتخابي وعلى مصالح الأطراف المتحكمة في أجهزتها.
محصلة هذا النقاش، هو أن المنظمات النسائية مدعوة من موقعها المدني الاقتراحي إلى الاشتغال على ورش التأهيل النسائي للمشاركة السياسية عبر برامج متخصصة في العمل الحزبي والجماعي والتنموي، حتى يكون للحضور النسائي ما يبرر مصداقية المكسب السياسي القانوني الجديد، وأن تدفع بالأحزاب والنقابات إلى تكثيف الأنشطة التكوينية التأطيرية للنساء المزمع ترشيحهن لهذه الانتخابات الجماعية والجهوية، حتى لا يكون الحضور النسائي فلكلوكريا ودعائيا فقط، وحتى لا يكون الوجود النسائي في هذه الهيئات والنقابات للاستهلاك الدعائي للخارج، وأن تقوم الأحزاب والنقابات بتطويق الفجوة بين مناضلاتها ومناضليها الذين يمثلونها في المؤسسات الجماعية والجهوية، ناهيك عن حلقات التكوين الإداري والقانوني والتدبيري حتى تتمكن من الفوز في الانتخابات بأداء مهامهن على أحسن نموذج تمثيلي.
إن المنظمات النسائية والقطاعات النسائية في الأحزاب والنقابات مطالبة بالتحرك على أكثر من صعيد لتحسين هذا المكسب السياسي عبر رفع وتيرة التواصل الجماهيري، وتوسيع الحوار مع كل الشرائح الاجتماعية في أفق انتزاع المشروعية المجتمعية واستثمار الدعم الشعبي في المعارك الانتخابية المقبلة، فما نلمسه عن قرب في التعبئة النسائية والحزبية والنقابية والجماهيرية حتى الآن، لن يمكن هذه المنظمات النسائية والنساء في الأحزاب والنقابات من تحقيق الاستثمار الجيد لهذا المكسب القانوني السياسي، فهل من جهود موضوعاتية للتأكد من أن الحضور النسائي السياسي في الجماعات الترابية سيحقق المناصفة والمساواة التي تتطلع إليها المرأة في مجتمعنا ..؟
زر الذهاب إلى الأعلى