مع تصاعد سعار الحرب المفتوحة بين الأنظمة والمعارضة في سوريا والعراق واليمن وليبيا يتأكد يوما بعد يوم توسع الروح الانتقامية بين الأطراف المتناحرة التي حولت الخلاف السياسي إلى جاهلية دينية جديدة لا ترى فيه الحركات الجهادية والتكفيرية والقتالية إلا الإصرار على تصفية خصومها من الأنظمة والحركات المنافسة لها في المنطقة، وليس حركات معارضة لها في التوجه المذهبي الديني، مما جعل المنطقة مسرحا لهذا الاقتتال المدمر باسم الاختيار الديني ذهب بالمواجهة إلى أن تكون جاهلية دينية جديدة.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعتبر واقع المسلمين في ظل هذه الجاهلية الدينية الجديدة تجسيد وترجمة للمخطط الاستعماري الغربي الذي ينفذ بأسلحة غربية وإسلامية، وتأكيدا على صحة ما يقال عن المخطط الغربي الذي يستهدف تدمير المنطقة وتحويل نسيجها الاجتماعي إلى ساحة صراع طائفي على الحكم والإجهاز على ما تبقى من عناصر وحدة المسلمين التي تلاشت في إطار الطائفية التي تقود هذه الجماعات والحركات ضد الدول وضد من ينافسها في الساحة بعد أن امتد هذا الصراع المفتوح إلى صراع وجود للتوجهات العقائدية لهذه الحركات المتنافسة، التي توظف منظورها العقائدي لفرض حكمها على بقية الطوائف الأخرى، سواء كانت من السنة أو الشيعة، إضافة إلى القاعدة وداعش وبوكو حرام وأزواد التي خلقتها الدول الغربية لفرملة نضج محاولات الدول العربية والإسلامية التحرر من سيطرتها المذهبية والسياسية، ويكفي أن ننظر لليد الممدودة للقاعدة في منطقة باكستان والهند وأفغانستان وداعش في سوريا والعراق واليمن وليبيا وإخوان المسلمون في مصر.
من المؤكد أن المسلمين اليوم يواجهون مخاطر هذه الجاهلية الدينية الجديدة التي ارتفعت قيمة أسهمها في هذه الحرب المفتوحة بين جميع الحركات من جهة، وبين هذه الحركات والأنظمة القائمة في هذه الدول التي سبقت الإشارة إليها، ولا يعرف بالضبط إلى أين تتجه هذه الحروب الدموية الوحشية التي ضاعفت من محن وآلام شعوبها، التي وجدت نفسها بين المطرقة والسندان ولا مفر لها من مواجهة مصيرها الذي تزايدت نتائجها الكارثية على حياتها التي جعلت الملايين تفضل الهجرة والعيش في اللجوء في الدول المجاورة، وفي ظل شروط معيشية قاهرة يفتقرون فيها إلى الحماية ووسائل الاستقرار والخدمات الصحية والتعليمية التي تكفلها المنظمات الدولية ذات الصلة بالهجرة واللجوء السياسي للأفراد والجماعات، وهذا ما لا تنتبه إليه هذه الحركات التي تتصارع على الحكم في المنطقة بهذه الأقنعة الدينية المتباينة التي توجه نشاطها الدعوي والمسلح.
ما يمكن استخلاصه من هذه الجاهلية الدينية، هو أن هذا الصراع إسلامي ويستهدف الشرعية التلقائية لتدين المسلمين، بعيدا عن هذه الطوائف المنحرفة التي تريد أن توظف منظورها العقائدي الفاقد للشرعية للوصول إلى السلطة وإقامة الدولة الإسلامية حسب المقياس والوظيفة المحددة لها من قوى الاستعمار الغربي الجديد الذين يقفون وراء ما يسمونه بالربيع العربي الديمقراطي، وما هو في الواقع إلا تجسيد لمخطط البلقنة والتشرذم الذي كان الغرب ولا يزال يفكر في إنجازه على امتداد العالم العربي والإسلامي لتأمين مصالحه الإستراتيجية الاقتصادية والسياسية، وحماية أمن صنيعته إسرائيل على حساب جميع المسلمين والعرب الذين يرفضون نظامها القهري والاستيطاني والاستعماري على أرض فلسطين العربية، التي كانت أرضا للسلام وللمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية، وأرادها الغرب أن تكون وسيلة لإحياء حقده الصليبي والصهيوني الذي تنفذ مشروعه هذه التوجهات الدينية والسياسية .. فهذه الحركات المتصارعة والتي تخدم بصفة مباشرة خصوم المسلمين الذين يتطلعون دائما إلى استغلال مثل هذه الخلافات الإسلامية والعربية الداخلية لممارسة الضغوط والحصول على ما يؤمن مصالحهم في المنطقة، وإلى ما يعرقل المسلمين من تحقيق المبادئ والقيم التي جاء بها الإسلام، والتي تتجاوز هذا المنظور الضيق لهذه الحركات المتصارعة، وهكذا يكون المسلمون في نهاية المطاف مطالبين بمعالجة أسباب التصدع التي يعيشون فيها والتي إذا ما تفاقمت سيكون سلم الأمن والاستقرار الذي يتطلع إليه المسلمون من الماضي ومن الأوهام التي لن تتحقق على الأرض .. وبالتالي، أن خاتمة هذا الصراع والاقتتال المذهبي المنحرف لا أمل فيها، سواء بالنسبة للأفراد أو الجماعات أو الشعوب التي تدعي انتمائها إلى الإسلام.