سناء الحافي
إذا كان مصطلح “النسوية” يشير في حد ذاته إلى الفكر الذي يعتقد أن مكانة المرأة أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل في المجتمعات، والتي تضع كلا الجانبين ضمن تصنيفات اقتصادية أو ثقافية مختلفة، باعتبار أن المرأة في نظر الرجل ما زالت حبيسة الضعف والعاطفة، لا تعامل بقدم المساواة ولا تحصل على حقوقها، في مجتمعاتٍ تنظم شؤونها وتحدد أولوياتها وفق رؤية الرجل واهتماماته، لا لشيء سوى أنها امرأة؛ وفي ظل النموذج الذكوري وهيمنته، تصبح المرأة كل شيء لا يميز الرجل، أو كل ما لا يرضاه لنفسه، فالرجل يتسم بالقوة والمرأة بالضعف، والرجل بالعقلانية والمرأة بالعاطفية، والرجل بالفعل والمرأة بالسلبية، وما إلى ذلك من تناقضات تعكس جدلية المفاهيم الثقافية والقيم وفق النظرة التي تفرضها النزعة السلطوية.
ومن هذا المنطلق التصنيفي الذي يعتمد على الجنس، جاء في الهيمنة الذكورية لبورديو: “إن المرأة تصبح غرضا وليس فاعلا، غرضا للشرط الاجتماعي الذكوري، حتى نستطيع بذلك فهم ممارسات المرأة ضمن هذا الشرط، بحيث تتعامل مع نفسها كغرض يتساوى فيه حقها بالكرامة، وهناك من يرى أن هذا التوغل في الغرضية الذكورية على مستوى السلوك الفكري والخطاب الأدبي ربما من أكثر الأمور إساءة للمرأة وثقافتها، الذي يجسد صورة المرأة كغرض وليس كفاعل وفق أبشع قواعد المجتمع الاستهلاكي المنوط بالقيود الفكرية”.
وإذا تساءلنا عن الشرط الاجتماعي الذي جعل الرجل فاعلا والمرأة غرضا له على امتداد التاريخ، فلا بد أن نستحضر مفهوم الخصوبة عند عشتار التي كانت سيدة على الرجال بعد أن ارتبط جسدها بالبعد الإنتاجي تماما كالأرض، ومن تم تراجعت سلطتها أمام بنيان الرجل “الأقوى”.. ليبقى هو الفاعل المؤثر بحكم القوة فقط..
لكن، في خضم التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عرفتها البلدان العربية، أصبح الرجل والمرأة عبدين لثقافة الاستهلاك حتى في صناعة الإبداع والأدب، حيث أصبح الرجل يمثل دور المثقف والناقد، والمرأة دور الأداة وأساسا لغواية النص من خلال إيحاءات نصوصها وتميز لغتها التي تتماشى وفق خطاب أكثر دفئا وانسيابية، نظرا لحساسيتها المتأججة وعنفوانها الدافئ بمعاني الحب والخيال، لتعبر من خلالها عن لواعجها وأحلامها التي تتباين بين المشروع والمحرم، وبين الوعي واللاوعي، حتى تحمل الآخر خارج تعاليم الفكر والعقل وتأسره بين دهاليز الحنين والانصياع لسلطتها الأنثوية، من خلال إبداعها وإحساسها، حيث جاءت بعض الخطابات تثبيتا للهوية الثقافية لها بدلا من الهوية التي قُصِرَت عليها في الثقافة الذكورية، واختزلتها إلى جسد فقط، وذلك لأن أدوات الخطاب الأدبي ظلت حبيسة لعقود بيد الرجل، رغم بروز أصوات نسائية على مدى تاريخ الأدب العربي، وبقت مديات تلك الخطابات من دون دراسة ولم تبوب بالشكل الذي تستحق، تأريخا لتحولاتها وتطورها .. واستثمارا للتعارضات القائمة بين الأمكنة المفتوحة والمغلقة، وبين الواسعة والضيقة، وبين المركزية والهامشية، لتمثيل الانعتاق من أطر الثقافة الذكورية وهيمنتها حتى في الطرح الأدبي .. اعتمادا في ذلك على أسس النقد التفكيكي الذي يشكك بمبدأ الإرث النظري ويتتبع القيم الإبداعية لكل من الرجل والمرأة في الأعمال الأدبية بغية الكشف عما فيها من انسجام أو اختلاف في الخطاب الأدبي، الذي يقوم على التفريق بين كاتب وآخر على أساس الجنس وقوة الاستهلاك، الأمر الذي أدى إلى إغفال أدب المرأة وتهميشه، وتجنب النظر إليه عند اشتقاق نظريات جمالية ونقدية، ليبقى المعنى في العمل الأدبي غير ثابت ومتحول، وغير نهائي ويقاس على ” الهوية الثقافية المستهلكة “… قبل كل شيء من زاوية النقد “الذكوري” الذي يمارسه الرجل بإسقاطات رجولية.. لا غير.
زر الذهاب إلى الأعلى