عبد الله عزوزي
من من العقلاء، أوحتى من المدخنين أنفسهم، يستطيع أن يقنعنا أن للتدخين منافع .. طبعا لا أحد، و إن اجتمع المدخنون من القارات الخمس وصاحوا بصوت واحد ” آه، في التدخين لذة، و للتدخين فوائد .. !”
سوف لن تكون مقاربتي للتدخين في هذه التدوينة مقاربة طبية أو حتى دينية (لأن هذا أمر محسوم فيه منذ زمان) وتؤكد صدقيته أرقام الوفيات الذين يسلمون الروح و هم يرضعون آخر سجائرهم، و عدد الضحايا الذين تهيؤهم عادة التدخين لليوم الموالي، بل سأقارب الموضوع مقاربة ثقافية بناء على مشاهد وقفت عليها بكل من المغرب وبريطانيا والولايات المتحدة.
في المغرب : أكاد أجزم أن المغاربة مدخنون بامتياز .. حصولهم على بطاقة مدخن يسبق حصولهم على بطائق النوادي والمكتبات ووسائل النقل والنقابات والأحزاب .. وقد لا أكون مبالغا إن قلت أن التدخين في طور أن يصبح أول ملوث جوي في المملكة، بعدما كان تدخين السيارات -الذي لا مفر منه- الملوث رقم واحد، والسبب الرئيسي في تدهور صحة المواطن المغربي .. نسبة كبيرة من مغاربة اليوم منخرطة بكل حماس وثقة وانضباط في تحريك عجلة اقتصاد التبغ، تدفع ولا تأخذ، ومستعدة لكي تقدم نفسها قربانا لإله التبغ .. ربع ساعة داخل مقاهي وطننا كاف بأن يسرق نسبة معتبرة من عمر روادها، سواء كانوا مدخنين أوغير مدخنين .. في مشهد أفضع و أشد سوءا يمكنك أن تلاحظ مساعد سائق حافلة ممسكا بسيجارته المشتعلة وهو وسط ركاب الحافلة .. !
في بريطانيا: في أول مرة وطأت فيها قدماي أرض الإنجليز سنة 2008، كثيرا ما كان يردد علي أحد الأصدقاء حكمة مشهورة بين سكان ذلك البلد تقول: ” في بريطانيا السلامة أولا // In UK Safety First “، وكان السياق الأول الذي سمعت فيه ذلك المبدأ أو الشعار هو لما هممت بشحن هاتفي فاستفسرته عن الشاحن ومكان المقبس، فلاحظت أن الشاحن عندهم له ثلاثة أسنان، إثنان عاديان، كالمعتمد عندنا في المغرب، و ثالث من بلاستيك وهو أكثر طولا، و يسمح بأن يسبق إلى المقبس من أجل الضغط على زر داخلي يسمح بفتح الثقبين الآخرين الموصلين للكهرباء .. قال لي صديقي بأن ابريطانيا اعتمدت هذا النظام حماية لأطفالها من الصعقات الكهربائية ..! بعد مرور بضعة أيام على ذاك الموقف، وبعد انفتاحي على مقاهي ومطاعم العاصمة لندن، اتضح لي أن نقاءها وسلامة جوها يفوق نسيم أطهر صالوناتنا العائلية .. المملكة المتحدة تطبق حذر التدخين في الأماكن العامة، والمخالف تنتظره الذعيرة متبوعة بسلب الحرية إن اقتضى الحال، والنتيجة أن العيش في لندن شبيه بالعيش في غابة المعمورة.
في الولايات المتحدة الأمريكية: وأنا آخذ مقعدي داخل حافلة عمومية بمدينة شيكو بكاليفورنيا في يونيو من سنة 2013، أثار انتباهي ملصق علق في أماكن مختلفة من الحافلة وقد ظهرت عليه صور أربع حشرات معروفة بسمها القاتل، وهي الأفعى، و العقرب، والعنكبوت، وأم الأربع والأربعين، وقد اصطف إلى جانبها قضيب من سيجارة المالبورو، وتحت تلك الصور سؤال بسيط: ” من من هؤلاء الأكثر قتلا والأشد فتكا ..؟” لكن، وأنت تلتهم كلمات الملصق، كالجائع، تشعر بالصدمة، حينما تجد نفسك أنك وأنت تصل إلى آخر حرف من فحوى الملصق أنه أخبرك بحقيقة يصر المدخنون على تجاهلها بإصرار وهي التدخين، ينوب عنك الملصق الإشهاري في الإجابة و يقول: ” خلال الوقت الذي استغرقته في قراءة هذا الإشهار تكون سجارة ما قد قتلت شخصا آخرا، بمعنى قتيل كل ستة ثواني نصف ..! اتصل بالخط المجاني الموضوع رهن إشارة المدخنين للإقلاع عن التدخين اليوم .. لا تترك نفسك فريسة للسجائر ..!”
هذه هي أمريكا، وهذا هو النقل العمومي في خدمة وحماية رأسمال المجتمع الذي هو ذلك الراكب نفسه .. مقابل هذا لا زال يرن بمسمعي إشهار بإحدى القنوات الإذاعية الوطنية في ثمانينات القرن الماضي الذي كان يشهر على الملأ فوائد السجائر، كان المقطع يقول “…مالبرو السيجارة الأكثر مبيعا في العالم… !”
زر الذهاب إلى الأعلى