في ظل السماء المفتوحة والتكنولوجيا الجديدة التي جعلت من العالم قرية صغيرة، بدأت بلادنا تعرف غزوا إعلاميا مكثفا، خصوصا في المجال المرئي، ويتجلى ذلك في القنوات الفضائية منها الغربية .. الشرقية والعربية .. حتى أصبح إعلامنا موجها من طرف هذه القنوات الخارجية التي تفرض علينا نظرتها إلى الأمور، وهذا إن كان يلبي لدى المواطن المغربي حقه في الإعلام، فإنه في ذات الوقت يشكل خطرا داهما على هويتنا الدينية والوطنية، وذلك ما أصبحنا نلمسه لدى شبيبتنا التي أصبحت تعيش حالة استيلاب حضاري، وعلى هذا الأساس، نتساءل ماذا أعد مسؤولونا لمواجهة هذا الخطر ..؟ طبعا لاشيء، فهم مثلنا يتفرجون تفرج العاجز عن النطق والتحرك، فالقناتين (الأولى والثانية) لاتقويان على مواجهة هذا الزخم الإعلامي المرئي الوارد من الخارج، ولا تعطيان البديل، وهذا ما يجعل أنظار المشاهدين تتجه نحو القنوات الأجنبية، التي نجد أن معظم برامجها تفسد الأخلاق، وتدعو إلى الانحراف.
وإذا كانت القناة الثانية تحاول جهد الإمكان تقليد الآخرين بدعوى العصرنة، فإن قناتنا الأولى، ونظرا لضعف إمكانياتها من جهة، وعزوف النظارة عن مشاهدة جل برامجها التي ملها المشاهد من كثرة التكرار والإعادات من جهة ثانية، يجعلها مكتوفة الأيدي أمام هذا الغزو الإعلامي، وهو شيء غير مقبول من طرف بلد عريق يسعى إلى الحفاظ على أمجاده، وإلى الدفاع عن شخصيته أمام مجموعة من المؤثرات والعناصر الفاعلة في حياتنا اليومية.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر .. فما الفضيحة الأخلاقية التي تداولتها مؤخرا بعض المواقع الإلكترونية تحت عنوان:”عاهرة مغربية تروي قصتها ل. BBC بوجه مكشوف” .. ! والتي كانت بطلتها الفتاة المغربية التي لقبت نفسها ب. “حديقة”، حيث تجردت في لحظة من اللحظات من كل حياء، ومن كل ما يربطها بوطنها المغرب، بعدما تم استدراجها من طرف مؤلف ومخرج تحقيق بثته القناة .. والذي كانت ( حديقة) ضيفة عليه لمدة سبع دقائق و 50 ثانية، إلا جزء لا يتجزأ من هذا الغزو الإعلامي الذي نحن بصدد الحديث عنه، بحيث دفعها المشرف على التحقيق الذي تناسى أنه لايملك حق تشويه سمعة شعب بأكمله من خلال استغلاله لسذاجة (حديقة) المريضة والتي ما أحوجها للعلاج من إغرائها ودفعها إلى سرد مغامرات الدعارة التي تمارسها بوقاحة لانظير لها، وإفشاء أسرارها الشخصية أمام الملأ، وعلاوة على ذلك، كانت المسكينة تحكي بعفوية وبكل شجاعة، غير مبالية بما يثيره حكيها من استياء للنظارة، ونفتح قوسا هنا لنطرح السؤال الذي غاب على مسؤولي” قناة BBC طرحه على أنفسهم وهم يقومون بالتشهير بفتاة تمر من مأساة نفسية قاسية أمام الملايين من المشاهدين، وهو كيف تسنى لهم ضرب أخلاقيات المهنة عرض الحائط ..؟ وكيف أقدمت القناة وهي التي تحظى بسمعة طيبة بين القنوات العالمية، على الهجوم على الشعب المغربي – وبالضبط في هذا الوقت- بواسطة قصة فيها ما فيها من الألغاز، لفتاة ذات نفسية مهزوزة، لا تعي ما تقوله من كلام، وما تجنيه من عواقب وخيمة تؤثر عليها فيما يأتي من أيام ..؟ ونتساءل أيضا كيف سكتت الجهات الوصية على الإعلام ببلادنا عن هذا الهجوم الواضح على عرضنا، ولماذا لم تحرك (الجهات) ساكنا تجاه معد التحقيق الذي اتخذ (حديقة) كمادة دسمة لجلب أكبر عدد من المشاهدين، طلبا لإنجاح تحقيقه على حساب أعراض الناس، ودون احترام لمشاعرهم.
وإذا كان من أهم مهام الدولة – وهذا شيء مؤكد – الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، فهناك ما يسمى أيضا ب. ” الأمن الإعلامي ” الذي يهدف إلى توفير إعلام مرئي وسمعي فعال، يتجاوب مع بيئتنا ومع واقعنا، ليكون التفتح على الغير تفتحا يرمي إلى جلب الإيجابيات وصد السلبيات، ولن يتم هذا إلا عن طريق مخطط إعلامي محكم، يبتعد عن الارتجال وعن سياسة “شوف واسكت ” كما هو الحال في قضية (حديقة) والقناة المشار إليها، وما تركه ذلك التحقيق اللامهني من قلق وغبن في نفوس المغاربة الذين لاحول ولاقوة لهم.
وعلى هامش هذا التحقيق، تعود بنا الذاكرة إلى تاريخ انعقاد الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام التي احتضنها المغرب، والتي تدارس المشاركون فيها مشروع مدونة الأخلاق لأجهزة الإعلام في الدول .. والمتمثلة في وثيقة إرشادية لرجال الإعلام، والغاية منها توحيد الخطاب ومراعاة التنوع والتعددية وحفظ قيم الأمة ومصالحها .. وبالمناسبة يقفز سؤال آخر: ” هل تصرفات قناة BBC عربي، ومعد التحقيق المشار إليه على تعليمات هذه الوثيقة ماضون ..؟
زر الذهاب إلى الأعلى