*ذ. عبد الرجمان البدراوي
سؤال مطروح اليوم بحدة على أصحاب القرار السياسي والثقافي والفكري والمعرفي، لكن الأكيد أن الإجابة عليه تكاد تختلف من أكثر من مقيم لواقع ووضع كلياتنا المغربية، لكن، هذا الاختلاف يبقى مقبولا، مادامت الرؤى في مجملها تصب في اتجاه الإصلاح، والدفع بالجامعة المغربية لكي تكون القاطرة التي تصل البر الأمان وهي محملة بجيل له من المعرفة والطاقة اللازمتين لتأمين حاضر ومستقبل هذا الوطن.
لكن أن يكون الاختلاف في الرؤى والتقييم لمرحلة ما بين الطلبة يصل إلى درجة أن يتحول الحرم الجامعي إلى ساحة للصراع الإيديولوجي، بل يتعداه لتستل الأسلحة البيضاء بمختلف أحجامها، لتقتل طلاب وتصيب آخرين بعاهات مستديمة فهذا أمر مرفوض، ومنبوذ، وينم عن وجود تحجر في الأفكار، وتفكك في الحوار، وبداية نهاية حلم، راود الكل في أن تكون الجامعة المغربية بداية مشوار معرفي، عادة ما يصقل الأفكار، ويغذيها، ويشذب أعراضها، عوض تخريبها.
إن الأحداث المأساوية التي تعيشها اليوم الجامعات والكليات المغربية، من صراعات إيديولوجية، لتدفع إلى الضرورة الرفع من درجات التأهب لما هي مقبلة عليه من تحديات كبيرة، خاصة وأن أحداث فاس الأخيرة، وقبلها أحداث مراكش وأكادير وغيرها، أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، وفتحت المجال لأكثر من تساؤل واستفسار عن ما يقع بداخل الحرم الجامعي. فمن مشاهد دموية بين الفصائل الطلابية، إلى اشتباكات بالأسلحة البيضاء، إلى إزهاق الأرواح، ليعطي الانطباع أن طلبتنا اليوم أصبحوا سجناء أفكار متواضعة، يغذيها التطرف، واستعمال القوة كأداة لفرض الذات، وهذا السلوك مبدئيا يبقى مرفوضا، لكونه أولا يضر بالجامعة كمنبر فكري .. معرفي .. ثقافي، وكمؤسسة جاءت لتفعيل المشهد المغربي، وليس إلحاق الضرر به.
ثم إن الجامعة هي مؤسسة لها نظامها ولها قانون يسير دواليبها، وليس فضاء لتغذية الحقد والكراهية بمجرد اختلاف إيديولوجي، أو تنفيذ منظومة سياسية يسارية كانت أو يمينية، أو من أجل فرض وجود مجاني إن صح التعبير.
وإلى ذلك، وعلى ضوء المتحصل عليه، فإن المسؤولية يتقاسمها الطلبة الذين هم من لهم الحق في السمو بالفضاء الجامعي في الاتجاه المطلوب وليس في الاتجاه الذي تبلوره النظرة الضيقة للحدث والمحكومة مسبقا بخطاب معين، والذي عادة ما ينتهي بنتائج مأساوية، ولنا في ذلك أكثر من شهادة وحجة دامغة .. فالمطلوب من هؤلاء الطلاب التعبير عن مستواهم الفكري، ونضجهم في التفاعل مع الأحداث، وقدرتهم على قبول الاختلاف كركيزة أساسية للفعل الديمقراطي داخل الأحياء الجامعية، والحرم الجامعي ككل، عوض التشبث بالقناعة الإيديولوجية، كسلطة لاحتواء الاختلاف، وكفلسفة في قيادة الفضاء الجامعي .. وبالتالي، سن سياسة الإقصاء الممنهج في حق باقي الفصائل الطلابية المتشبعة بفكر وخطاب معينين.
وإلى ذلك، فهذا لا ينفي دور الأحزاب السياسية، التي لها امتداد داخل الحرم الجامعي، والتي هي الأخرى لها مسؤولية في التأطير، وفي خلق أيضا هذا التشنج داخل ذات الحرم، وهي مسؤولية لا يمكن إغفالها أو القفز عليها، وإنما هي واضحة وبينة، ولها امتداد معلن في باقي المؤسسات والمعاهد وغيرهما.
وعموما، لتكن مرة أخرى جامعاتنا في منأى عن السلوكات المشينة، وفي منأى عن الصراعات الأيدلوجية، وعن الشحن المجاني الذي إن لم يضع له أصحاب مراكز القرار السياسي الحزبي حدا، فالأكيد أن الجامعة المغربية ستفقد جزءا كبيرا من وظائفها الفاعلة والمتفاعلة مع المسار الذي تنهجه الدولة، خاصة وأن الكل اليوم متحمس للانخراط في الإصلاح المنشود، الهادف إلى جعل الجامعة قاطرة للتنمية، وللمعرفة والفكر والوعي، وليس الوعي الشقي الذي يلوح بظلاله في الكلية والجامعة، وباقي المؤسسات التي تنتج أفكارا متجاوزة لاحتكار المعرفة في شموليتها، وهذا خطأ جسيم يجب تداركه قبل فوات الأوان.
* الرئيس المدير العام لمجموعة الملاحظون ميديا
زر الذهاب إلى الأعلى