ما جدوى تكريم الفنان الميت ..؟
تطالعنا الكثير من القنوات الفضائية، سواء منها العربية أو الأوروبية من حين لآخر ببعض الأشرطة التي تغطي حفلات تكريم عدد كبير من نجوم الفن، الذين تخطوا عمر الشباب، وباتوا في حالة شبه عجز عن الإبداع، أو الذين اعتزلوا الميدان الفني بصفة نهائية وهم أحياء يرزقون، الشيء الذي هو شبه منعدم في بلدنا، بحيث أن الفنانين في مختلف أنواع النشاط الإبداعي، مغنون .. ملحنون .. شعراء وأدباء وزجالون، موسيقيون ونجوم في التمثيل، الذين أحبهم الجمهور وأعطاهم المجد .. الذين طبعوا التاريخ الفني المغربي ببصمتهم وحققوا إنجازات مهمة خلال مسارهم، وساهموا في إغناء وازدهار الوسط الفني والثقافي الوطني، باتوا على وشك أن ينسوا، غير محاطين ولو بجزء يسير من التكريم والحب ..؟ باستثناء الالتفاتة التي يوليها الزميل الإعلامي عتيق بن الشيكر من خلال برنامج “مسار” الذي تبثه القناة الثانية والذي يبقى نقطة الضوء الوحيدة التي يكرم من خلالها بعض المبدعين في آخر أيام حياتهم، وبالمناسبة نهمس في آذان الإعلامي المشرف على برنامج “مشارف” الذي يستضيف وجوها من عالم الأدب والثقافة الذي تبثه القناة الأولى ليحذو حذو زميله عتيق.
ومادام أن الغاية المثلى من التكريم هي تسلّيط الضوء على انجازات الفنان وإعادة الكرامة له والاحتفاء به وإعطائه حقه الذي يستحقه حيا وليس بعد رحيله إلى دار البقاء، وهذا أقل واجب يقدم لهؤلاء الفنانين الذين ما بخلوا في يوم من الأيام على إطراب الجمهور، والذين كانوا بالأمس بين فئة كانت موضوع مطاردات لا تهدأ لأقلام الصحافيين والكتاب ولكاميرات المصورين والقنوات وكل أجهزة الإعلام، فإن الواجب يحتم علينا أن لا ننساهم، لأن لهم الفضل الكبير في إضافة الإبداع والعطاء للفن، ويتوجب علينا مكافأتهم كما يكافؤ عظماء الفن في الدول التي تؤمن بهذه الرسالة التي تهدف إلى السمو، وذلك عبر حفلات تكريمية تعرض خلالها نماذج من أعمال هؤلاء الفنانين الذين يتم تكريمهم وهم على قيد الحياة، حين كان إعجابنا يدفعنا لإغداق فيض الحب والمديح والثناء عليهم، وليس حتى توافيهم المنية كما الحال المعمول به في الكثير من وقفات التكريم التي تشهدها الساحة الفنية المغربية.
وعليه .. فإن الممتع في كل ذاك التكريم ليس فقط هو السخاء الذي تتميز به بعض الحفلات التي تكون في غالب الأحيان تجارية استهلاكية، وليس فقط كلمات التقدير والحب والثناء التي تشنف الآذان وتريح النفوس، لكن الأكثر روعة وجمالا هو شعور الفنان المقام له حفل التكريم الذي تقدم به العمر ويكون قد بات يزحف وحيدا إلى وحدة الشيخوخة الباردة، والذي ابيض شعره، وكست التجاعيد وجهه، وثقلت حركاته وتنقلاته، وأحسرت عنه الأضواء .. نعم، يبدو لحظة تكريمه سعيدا، ويخيل له وكأنه طفل يحتفل بأول عيد ميلاده .. يتلقى الهدايا ونظرات الإعجاب ونحن نضع مسودة هذا الموضوع، قفزت إلى ذهننا عدة أسئلة محيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: لماذا يموت الكثير من الفنانين المغاربة منسيين، يعانون في أغلب الأوقات فقرا حقيقيا، وليس هناك من يرى ولا من يسمع، أو من يشير حتى بالتفاتة بسيطة إلى أن ثمة فنانا ينتهي كإنسان، وهو الذي أعطى للفن جزءا كبيرا من لمحاته الإنسانية المعبرة ..؟ لماذا لا نقف إلى جانبه في لحظات ضعفه وشح عطائه ..؟ لماذا نكتفي فقط بذكره حين يتوفى إلى رحمة اللـه .. نورد اسمه في زاوية غير مرئية على صفحات الجرائد والمجلات .. نذيع خبر نعيه عبر قنواتنا التلفزية وإذاعاتنا، ونمضي إلى الأرشيف نبحث عن ماضيه الفني لنحقق سبقا صحفيا، نزوده بما تيسر لنا من صور لافتة غريبة، وهو الذي مات منبوذا .. جائعا .. وحيدا منسيا من دون أن يذكره أحد ..؟ متى إذن ندرك في مغربنا أن الفنان هو قيمة إنسانية وحضارية من واجبنا تكريمه حيا وقبل موته ..؟ خلاصة القول، المرجو أن تمر هذه الرسالة .. وأن يجد بين سطورها من يتحملون هم الفن والفنانين في مغربنا ما يستعينون به على إصلاح مكامن الخلل في المشهد الفني والثقافي الوطني خدمة للفن وأهله.