بين معالم الأزمة الاقتصادية الواضحة وتلميحات لحليمي المغازلة للحكومة
قد يكون للمندوب السامي للتخطيط احمد لحليمي الحق في تفاؤله الاقتصادي نحو الانفراج المرتقب للوضعية الاقتصادية في المغرب على ضوء تلميحاته الأخيرة، التي أشاد فيها بالإصلاح الحكومي لبعض جوانب الأزمة الاقتصادية، من خلال سياسة تدبير أزمة صندوق المقايسة، ومن خلال توقعاته في ارتقاء نسبة نمو الاقتصاد الوطني إلى 4،8 بالمائة، إذا ما وصلت المؤشرات المسجلة في الاقتصاد الفلاحي وعجز الموازنة وارتقاء الصادرات وتحويلات المهاجرين المغاربة واستقرار أسعار الواردات من المواد الاستهلاكية الكبرى.
بالفعل، مانتمناه هو نجاح الحكومة في تدبير الأزمة، وترجمة ما تبقى في برنامجها الاقتصادي قبل الانتخابات التشريعية المقبلة، ويتمكن رئيس الحكومة من الوفاء ببرنامج حزبه الاقتصادي، الذي لايزال يراوح مكانه ولا يتجاوز التدخلات الإطفائية لنيران الأزمة على أكثر من صعيد، في الوقت الذي تؤكد فيه التوقعات المعبر عنها من قبل الفاعلين والمهتمين استحالة الخروج من عنق الأزمة التي تترجم إكراهاتها في العجز في معالجة أزمة الميزانية بشقيها الستييري والتجهيزي، وتضخم الأرقام في المديونية الداخلية والخارجية، واتساع رقعة الفوارق بين الأغلبية المحظوظة والقاعدة العريضة من محدودي الدخل، وتراجع مستوى الخدمات في القطاعات العمومية الخدماتية.
مهما كانت أرقام لحليمي متفائلة في الانفراجات المحتملة، فإن ما يلمسه المواطن العادي هو تراجع قوته الشرائية في مواجهة أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، مما يؤكد فشل السياسة الاقتصادية للحكومة الحالية واستمرار رهانها على تحسين الظرفية المناخية بالنسبة للاقتصاد الفلاحي، وزيادة الصادرات من المنتوجات الفلاحية التسويقية، وتلك التي تدخل في الصناعات الغذائية التحويلية، التي أصبحت تغطي ثمن وارداتنا من المنتوجات القلاحية الأساسية، ومع ذلك، لا يزال المستهلك المغربي عاجزا على تأمين حاجياته من اقتصاده الفلاحي التي تتميز منتوجاته في ظل تحرير الأسعار بالارتفاع المستمر، سواء تعلق الأمر بالخضر أو القطاني أو الفواكه، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول تحسين الاقتصاد الفلاحي، الذي يجب أن يظهر أولا في ارتفاع دخل الفلاحين وتراجع ديونهم، وتحسين مستوى معيشتهم وارتفاع نسبة التشغيل في صفوفهم في مختلف الأنشطة الفلاحية، التي لا يخلو أي قطاع زراعي أو فلاحي منها، والذي يمكن أن يمتص العاطلين على المستوى الوطني، إذا ما تغيرت السياسة العمومية الفلاحية، وانخرط الفلاحون في وضع مخططاتها، بدل الرهان على المقاولات الوسيطة التي لا تهمها مشاركة الفلاحين في رسم مظاهر السياسة التنموية الفلاحية، وهذا ما يدعو إلى تقوية تدخل الدولة للمحافظة على ثقة الاستثمار الأجنبي، وجودة الموسم السياحي وعائدات المهاجرين المغاربة، ومداخيل الصادرات المعدنية، وهذا ما يعبر عن افتقار الحكومة إلى السياسة الاقتصادية الكفيلة بتنمية الموارد، وتخفيض النفقات في القطاعات، وتراجع ضغط المديونية، وتحسن الميزان التجاري الذي يعاني من ضغط الواردات من المواد الاستهلاكية الأساسية.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نناقش الحكومة في توجهها الاقتصادي الراهن، الذي يتعامل بمنظور انتقائي للأزمة، ويقترح الحلول الترقيعية المؤقتة العاجزة على استئصال أسباب الأزمة التي يدفع ثمنها حاليا فقراء الوطن فقط، في الوقت الذي يجب أن يدفع ثمنها المستفيدون من التخفيضات الضريبية، وتحرير الأسعار بدل السواد الأعظم من المواطنين من محدودي الدخل والعاطلين، ونعتقد أن الحكومة واعية تماما بما يجب أن تكون عليه سياستها الاقتصادية، التي لم تخرج عن الحلول الترقيعية التي تعمقت تداعياتها الإنتاجية والتسويقية والتشغيلية إلى النسب التي تدين وتفضح التلميحات المتفائلة لمندوبية التخطيط المغازلة للحكومة، التي اعتبرت أن التدبير الحكومي في المغرب للأزمة أحسن من تدبير الحكومة الفرنسية التي تعتمد على موارد مستعمراتها بدل مواردها الاقتصادية الطبيعية الذاتية.
ختاما، نرجو من لحليمي قليلا من الوضوح في تفاؤله الاقتصادي الذي لا يلمسه المواطن العادي في معيشه اليومي، الذي يترقب فيه انفراج الأزمة لاحتواء الإكراهات التي يواجهها في الواقع الاقتصادي، والتي تؤثر عليه على أكثر من صعيد رغم ادعاءات من يعتقدون في انعدامها.