المغرب حصل على استقلاله وماذا بعد ..؟
في الوقت الذي اعترف فيه الاستعمار الفرنسي بحق المغرب في الحرية والاستقلال، وتم توقيع اتفاقية “إكس ليبان” والإعلان عن الاستقلال في 18 نونبر 1956، وفي الوقت الذي لا يزال المغاربة يناضلون من أجل استكمال هذا الاستقلال، تخرج علينا هذه الأيام بعض الكتابات التي يعتقد أصحابها أنهم على حق في نقد الاتفاقية، وفي اتهام مُوقعيها من المغاربة، للوصول في نهاية ذلك إلى القول بأن اتفاقية “إكس ليبان” كانت مجرد خيانة من الأطراف المغربية، التي وقعتها مع الاستعمار الفرنسي .. وبالتالي، أن ذكرى الاستقلال لا قيمة لها، وأنها مجرد وصمة عار، في الوقت الذي يتجاهل فيه أصحاب هذه المقاربات المشوشة والمشككة أن هذا الاستقلال لم يكن ممنوحا ولا إنهاء لعهد الحماية، وإنما استقلالا منتزعا من الاستعمار عن طريق المقاومة التي بدأت قبل توقيع عهد الحماية في 1912، وأن المغاربة منذ البداية قاوموا السياسة الاستعمارية، وأن ثمار هذه المقاومة التي قادها الشعب المغربي والملك، هي التي أرغمت الاستعمار الفرنسي على توقيع معاهدة الاستقلال في “إكس ليبان” وبالتالي، أن استحضار المغاربة لملحمة الاستقلال في كل سنة لإيمانهم بعظمة ذكرى الاستقلال، الذي لا يزال يوجه نضالهم من أجل استكمال تحرير ما تبقى من الجيوب في الجنوب الشرقي والشمال، وأن ما ذهب إليه “محمد شفير” في مقاله وما عبر عنه المفكر المغربي الراحل “المهدي المنجرة” من أن اتفاقية “إكس ليبان” كانت مجرد صفقة بين الاستعمار وقادة الحركة الوطنية والقصر، وأنها اتفاقية خيانة واضحة للذين وقعوها من المغاربة مع الاستعمار الفرنسي، التي لم يتم تشويهها من موقعي الاتفاقية من المغاربة، وفي هذه الأجواء الاحتفالية الوطنية، يحق لنا أن نسائل من تحدثوا حول حدث الاستقلال في الملف الذي خصصته “جريدة المساء” مؤخرا، هل بهذه الرؤيا المشككة في الذين صنعوا هذا الحدث يمكن أن تكون المساهمة في الاحتفال بمناسبة الاستقلال، وحتى إذا كان في الاتفاقية ما يستحق المناقشة وإعادة النظر، فهذا لا يقتضي تناول الحدث بهذه المنهجية التي تكشف عن وعي ونفسية أصحابها، ويمكن أن نقول أن “جريدة المساء”أحيت الذكرى بطقوس نقدية جديدة تشير إلى ضرورة التقييم الموضوعي لهذه المحطة من تاريخ الوطن.
إن ما يمكن استخلاصه من هذا النبش في اتفاقية “إكس ليبان” التي انتهت وتوجت باستقلال المغرب، توضح طبيعة الاضطراب في الوعي التاريخي والسياسي لهؤلاء المشككين، ورفضهم الملموس للصيغة التي أتت بها الاتفاقية، ونستغرب للمفكر “المهدي المنجرة” الذي تولى وزارة الإعلام بعد الاستقلال أن يكون له موقف مغاير للإجماع الوطني، ولمساره الفكري الديمقراطي المواطن بعد ذلك، أما “محمد شفير” الذي اعتبر الاتفاقية صفقة سياسية بين الأطراف الموقعة عليها، فلن نناقشه فيما ذهب إليه، لأننا تعودنا من بعض المثقفين العاجزين على الدفاع عن قناعاتهم يجدون المتعة والفرصة في الخوض في الموضوعات التي تفوق مستواهم المعرفي، لذلك لا نجد في مساهمته ما يحرضنا على الحوار معه حولها، والمؤكد أن الاتفاقية حصل بها المغرب على الاعتراف باستقلاله، وأن التشكيك في مصداقيتها من قبل هؤلاء ليس في موضوعه، ولا يعني إلا أن هؤلاء يفتقرون إلى ما يبررون به هذه القناعة المهزوزة والضعيفة، وبالتالي أن الإقدام عليها ليس من أجل المساهمة العلمية والمعرفية لتصحيح ما نشر حولها، ويحق لنا أن نسأل الذين لا يزالون على قيد الحياة من هؤلاء المشككين، عن ماذا كانوا ينتظرون للخروج بهذه المواقف في هذه الفترة من تاريخ المغرب ..؟ ومن الذي شجعهم على هذه الخطوة الملغومة والمخدومة لزرع بذور الوعي السياسي والتاريخي السلبي اتجاه هذه المرحلة من تاريخ الوطن ..؟ لذلك، لا نرى في الواقع من هذه القراءة التشكيكية في هذه المحطة التاريخية هو أن الأمر أكبر أن القراءة النقدية لما حدث فيها، حيث لم يبق إلا القول أن المغرب لم يحصل على استقلاله، وأنه استقلال ممنوح ومجرد اتفاقية لإنهاء عهد الحماية فقط مع ما تحمله هذه المفردات من دلالات السخرية والتهكم على النضال الذي خاضه المغاربة، وقدموا فيه أروع الملاحم في نكران الذات والتفاني في المقاومة حتى إعلان الاستقلال، الذي لا زلنا نطالب باستكماله في المناطق المستعمرة في الشرق والشمال.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعتبر القراءة لهذه الفترة التاريخية التي نشرتها “جريدة المساء” تطاول غير مقبول، وتجني واضح على كل الذين ساهموا في صنع حدث الاستقلال في مثل هذا الشهر سنة 1956، ولا نعترف بهذه الحمولات التي جاءت في هذه القراءة المنطلقة من رؤيا سوداوية واضحة، ومن توجه مغرق في النقد الأعمى للذات الجمعية، التي ينتمي إليها هؤلاء، حتى وإن كانوا يعتقدون أنهم يدرسونها من أجل كشف الحقائق المسكوت عنها، والخلفيات التي صنعت اتفاقية “إكس ليبان” والإعلان عن الاستقلال بعد ذلك .. وليسمح لنا “محمد شفير” بالقول أنه لم يفهم بعد محصلة الاتفاقية، وأراد قلب الطاولة على من يستخدمها للأغراض التي صيغت من أجلها، وحتى وإن كان في الاتفاقية ما يدعوا إلى طرح علامات الاستفهام حولها، فإن محصلتها كافية للدلالة على أن الجانب المغربي انتزع منها ما كان يطالب به المغاربة في تلك الفترة، وهذا هو منتهى المفاوضات التي خاضها المغاربة الذين مثلوا الوطن في “إكس ليبان” وإن كان مطلوبا قراءة المغزى التاريخي أو العبرة النضالية من حدث الاتفاقية، فقد كان على من سمح لنفسه بهذا النبش التاريخي الغير مسؤول أن يتحدث عن ماذا بعد الحصول على الاستقلال لما لذلك من تداعيات لا يزال المغاربة يواجهونها إلى الآن .. ! أليس من العدل أن نقيم مواقف الحركة الوطنية في هذه الفترة، وماذا قدمت من مشاريع وبدائل لتحقيق ما يعزز استقلال المغرب وتطوره ..؟ ومن الذي يمنع من تقييم المرحلة ككل، بعيدا عن لغة التخوين والاتهام الرخيص، التي يمكن الوقوف عليها في هذا الملف بسهولة وفي أكثر من جملة وفقرة ..؟
نحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نحاكم النوايا، ولكن بالمقابل نحاكم المواقف، فإن كانت الأهداف من الملف المنشور محاولة قراءة للحدث من أجل استخلاص الدروس، فلا مانع في ذلك، أما إذا كانت القراءة لحاجة في نفس يعقوب، بغرض التشويش والتشويه، فهذا ما نرفضه ونعتبره مجانبا للصواب، علما أننا لا نخش من يملك الشجاعة في طرح قناعته والدفاع عنها، وهذا ما لم نلاحظه في قراءة من اعتبروا حدث الاتفاقية خيانة مكشوفة، ومن اعتبروها اتفاقية مصالح بين قادة الحركة الوطنية والقصر من جهة، والاستعمار الفرنسي من جهة أخرى .. وليتأكد هؤلاء، أننا نملك من المعرفة التاريخية التي تؤهلنا لمناقشة مثل هذه المواقف الجانحة والمشككة، حتى وإن كنا في نفس الوقت لا نرفض الرأي الآخر المختلف مع قناعتنا، ولا شك أن الكتابة النقدية تحتاج إلى الإلمام بشروطها الدنيا، خصوصا في التاريخ، وأن احترام أبسط مقومات المناهج المتعارف عليها في التاريخ تقتضي من هؤلاء الذين أعلنوا عن مواقفهم اتجاه حدث اتفاقية “إكس ليبان” التحري الموضوعي والانحياز إلى ما يعزز شرعية الخلاصات، التي عبروا عنها اتجاه مُوقعي اتفاقية “إكس ليبان” التي انتهت بالإعلان عن استقلال المغرب فيما بعد.
ختاما لهذه المقاربة للقراءة التاريخية التي نشرتها “جريدة المساء”، نقول إن الحقيقة العارية التي تحاولون الإساءة إليها من أن الاتفاقية التي انتهت باستقلال المغرب، تتطلب منكم أن تنظروا إلى المرآة لمعرفة جسامة الخطأ الذي ترتكبونه في حق الوطن وهو يحتفل بذكرى الاستقلال هذه الأيام من شهر نونبر 2014، وأنكم بهذا التشكيك التخويني تضعون أنفسكم خارج الوطن، ومسخرون للنيل من فرحته بالعيد الوطني المجيد لذكرى الاستقلال .. وبالتالي، أن هذه القراءة تكشف عمق سوء الوعي الوطني الذي أدى الافتقار إليه إلى إنجاز هذه القراءة المشوهة لتاريخ المغرب، وما أقبح أن يأتي السفيه بما يتعارض مع إجماع مجتمعه، ونحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لانستغرب لمثل هذه السلوكات المأجورة التي لا تتحرك إلا في المناسبات، ونشعر أن أصحابها يعانون من سوء التوافق مع ذواتهم، فبالأحرى مع مجتمعهم، ونسأل اللـه الشفاء لهم حتى يعودوا إلى حضن الوطن، ويكونوا على بينة من مثل هذه الأخطاء القاتلة التي تضرهم.
وأخيرا، رحم اللـه كل شهداء الوطن، الذين قاوموا الاستعمار واسترخصوا أرواحهم فداء لحرية واستقلال المغرب، أما الذين يبحثون في الشروط التي أدت إلى نيل الاستقلال، فنقول لهم إن المغاربة واعون بأهداف هذه المقاربات التي يبحث أصحابها عن ما يبرر أطروحاتهم الفاشلة وقناعاتهم المتخلفة، حتى عن ما أصبح متداولا بين عموم المغاربة، من أن المغرب حصل على استقلاله، ومن لم يستوعب دلالة الحدث فليبحث له عن أرض أخرى يمكن أن توافق على شكوكه المرضية، وسيظل في اللحظة الزمنية التي تعطلت فيها ذاكرته عن استحضار شريط المقاومة الوطنية التي أرغمت الاستعمار الفرنسي عن الخروج من المغرب.