الصحافة مسؤولية وأخلاق
لما التزمت النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة في قانونها الأساسي، بالدفاع عن حقوق العاملين في القطاع الصحافي والإعلامي، لم تكن ترمي بذلك إلى حمل السلاح والنزول إلى الشارع وقطع رأس كل من اعتدى على صحفي، أو كان هدفها تحريض أمة الصحافيين على التعدي على حرمة حقوق الآخرين، إنما كانت تقصد بهذا الدفاع، الوقوف إلى جانب كل صحفي تعرض لأي نوع من التجاوزات، أو اعتُدي على حقوقه المهنية التي يضمنها له الدستور المغربي، أو تم حرمانه من أداء واجبه المهني، أو تعرض لأي مؤامرة لتحجيم دوره الذي يحارب من خلاله الفساد والمفسدين .. أجل، إن النقابة تهب لمناصرة الصحفي لما يكون مظلوما، لكن أن يخرج هذا الأخير عن المألوف، ويخترق القانون والأعراف بدعوى أنه صحفي، أو يستعمل مظلة حرية التعبير لقضاء مآربه الخاصة، فهذا هو الخطأ بعينه، لأن حرية التعبير في حد ذاتها مرهونة باحترام حقوق الآخرين وصونها، وعدم ممارسة الإساءة لهم، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أومؤسسات .. وحرية الرأي والتعبير لا تكفل للصحفي حرية توجيه التهم لأي كان بدون حجة ثابتة، لأن هناك خطوطا حمراء يحرم على الصحفي تخطيها.
وانطلاقا من هذا الأساس، فإن النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي تعمل على تشجيع وتنشيط كل المبادرات الرامية إلى تنوير كافة المواطنين، فإنها بالمقابل تسهر على تأطير العاملين في قطاع الصحافة والإعلام والدفاع عن حقوقهم ومطالبهم، كما لا يفوتها الذود عن شرف المهنة وفرض احترام أخلاقياتها، ونبذ كل تصرف يخالف ذلك، يصدر عن بعض المبتدئين في ميدان الصحافة والإعلام، عديمي التجربة، الذين يسيؤون فهم حرية التعبير التي يتطلب ضبطها بقواعد النظام العام، والذين دون تعقل وتبصر يزجون أنفسهم في الخطأ .. وبالتالي، يرمون باللائمة على منظماتهم النقابية ليصفونها بالتقصير في مساندتهم في محنهم وعدم تقديم يد المساعدة لإنقاذهم من معارك يورطون فيها أنفسهم.
كما تجدر الإشارة، إلى أن العلاقة التي تربط النقابة بالمنخرطين في صفوفها، لا تعدو أن تكون تنظيمية ومجرد تعاون مشترك في حدود المعقول، وتطبيقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل، وليس اختلاق المشاكل وإشعال نيران الصراع بين الصحافي وجهازه النقابي والآخرين، لأن دور الصحافي في حد ذاته هو دور تنويري ورقابي، ومن اللازم أن يكون ملما بالحد الأدنى من الثقافة الدستورية والقانونية حتى يحافظ على حريته التي هي في نفس الوقت حرية الصحافة.
وخلاصة القول، على من اختار ركوب سفينة الصحافة والإعلام، وخصوصا الانضمام إلى صفوف النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن يكون متحليا بسلوك ينسجم مع مبادئها وأهدافها، وأن يبتعد قدر الإمكان عن لغة الانحطاط والركض خلف السراب بقصد التجريح في الأمانة العامة للنقابة، لأن المس بسمعة أي عضو من أعضائها يعتبر مسا بهيئة قيادية انتخبها المؤتمر الوطني، يستوجب تطبيق مقتضيات الفصل الخامس عشر في حقه .. كما أن عليه أن يدرك أن دوره يتلخص في القدرة على حماية تصرفاته من الأخطاء، وأن يكون في مستوى تحمل مسؤولية قراراته، بحيث يلزمه التصرف في الأمور كلها ببصيرة، ولا يسمح له بتاتا بأن يخبط خبط عشواء، ويرمي الكلام على عواهنه، دون توفره على دليل جازم لصحة أفعاله وأقواله، متذرعا فقط بأنه محمي بحرية الصحافة والتعبير، التي قد لا يكون يفهم لها معنى أو حدود، وبصريح العبارة من كان من هذا النوع وتتوفر فيه هذه الصفات الغير حميدة، فلا حاجة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة به، وهي مستغنية عن خدماته كيف ما كان قدرها، وانفصاله غير مأسوف عنه البتة.