
بقلم – سعيد ودغيري حسني
عرفت الراحل محمد بنعيسى في لحظات جميلة ومؤثرة، كان الراحل بشوشًا مثقفًا ذا صوت جميل مؤدبًا جدًا، يحيط به هالة من الاحترام التقيته صحبة المرحوم أحمد العسكي في مقر حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث كان الحديث بيننا ينساب بحرية ونحن نتبادل أطراف الحديث لنكتشف أننا نملك صديقًا مشتركًا الفنان التشكيلي عبد العليم العمري رحمه الله .. كانت تلك اللحظات التي جمعتني به بمثابة دعوة للاستماع والتعلم من رجل كانت معرفته وثقافته لا حدود لهما
لم يكن محمد بنعيسى مجرد سياسي، بل كان ثقافة متنقلة يتنقل بين عالم السياسة والديبلوماسية والحوار الثقافي، كما لو كان على مسرح الحياة يلعب دوره بكل براعة .. بعد تلك اللقاءات الأولى كانت اللقاءات تتوالى لا سيما في مدينة أصيلة، حيث تكررت زياراتي لتلك المدينة الساحرة .. خصوصًا، عندما عملت في “كمبينغ صحرا” مع صهري المنتصر رحمه الله .. كانت أصيلة مكانًا مميزًا جمع بيننا، حيث كان يعج بمختلف المواضيع الثقافية التي تجمع بيننا رغم اختلاف وجهات نظرنا في بعض الأحيان
كم مرة التقينا في فندق “الخيمة” لفض نزاعات لا داعي لذكرها .. ولكن، دائمًا كان يحكمنا الفهم المشترك والحوار البناء .. كانت تلك اللقاءات مليئة بالاحترام، وكان بنعيسى دائمًا يضع نفسه في خدمة الثقافة والمجتمع .. الرجل الذي خدم المملكة، الذي كانت لفيلا في عهده تعيش ازدهارًا لم تعرفه من قبل، كان أحد الأضلاع الأساسية في بناء شخصية المدينة وتطويرها
لقد كان بنعيسى أكثر من مجرد وزير خارجية، كان أحد مفاتيح نجاح المملكة المغربية في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية ومؤسِسًا لمشروعات ثقافية تُعدّ من أهم مكونات الهوية المغربية من “منتدى أصيلة”، الذي أصبح وجهة عالمية للثقافة والفكر إلى دوره البارز في تعزيز العلاقات المغربية الدولية، لم يكن في وسعه إلا أن يكون محط إعجاب الجميع بما قدمه من خدمات جليلة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي
محمد بنعيسى الذي أسهم في رسم ملامح الدبلوماسية المغربية الحديثة، كان يعلم تمامًا أن القوة لا تأتي فقط من السياسة أو القوة العسكرية، بل من الثقافة والفكر، كان يرى أن الثقافة هي الجسر الذي يربط الأمم واللغة التي يتحدث بها الإنسان ليظهر حضارته .. وعليه، كانت دائما مغامراته تتخللها لمسات ثقافية تُبقى آثارها في المكان والزمان
بالحديث عن هذا الرجل لا يسعنا إلا أن نتذكر معًا أن محمد بنعيسى في مسيرته الحافلة بالعطاء قدم أكثر من مجرد إنجازات سياسية أو ثقافية، بل زرع فينا حب الوطن وأهمية الخدمة العامة، وأوضح لنا أن الثقافة ليست مجرد هواية، بل هي مفتاح تقدم الشعوب ورغم اختلاف وجهات نظرنا في بعض الأحيان إلا أن الاحترام المتبادل والحوار الجاد كان دائمًا سبيلنا لإيجاد الحلول
وفي النهاية، فإن الرجل الذي خدم المملكة ومدينة أصيلة التي شهدت أزدهارًا في عهده، سيظل حاضرًا في ذاكرة كل من عرفه .. رحل محمد بنعيسى .. لكن، ما تركه من بصمات ثقافية وإنجازات لا يُمكن أن يُمحى، ويكفي أن نذكر “زبدة القول” في حقه كان رمزًا للثقافة والسياسة .. مؤمنًا دائمًا بأن الفهم المتبادل هو السبيل الوحيد لبناء عالم أفضل
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته