![](https://www.almostaquilla-press.com/w/wp-content/uploads/2025/02/33-2.jpg)
القراءة بين الماضي والحاضر: كيف نعيد مجد الكتاب ..؟
بقلم سعيد ودغيري حسني
في الماضي كان الكتاب سيد الثقافة بلا منازع .. لم يكن مجرد وسيلة للمعرفة، بل كان رمزًا للمكانة الفكرية والاجتماعية .. كان الناس يتهافتون على معارض الكتب كما يتهافتون اليوم على العروض التجارية .. كانت المكتبات زاخرة بالحياة .. الباعة يعرفون زبائنهم بالاسم .. يفهمون ذوقهم .. يقترحون عليهم عناوين تناسب اهتماماتهم .. كان اقتناء الكتب عادة يومية مثل شراء الخبز
في الأسواق الشعبية وبين أزقة المدن العتيقة، كانت توجد “البوتيكات” التي تحتضن كنوزًا من الكتب القديمة والمستعملة .. يمكن للمرء أن يعثر على رواية نادرة أو مخطوط قديم بقيمة زهيدة .. لكن، بثمن فكري لا يقدر بمال .. كان الناس يحرصون على تكوين خزائن للكتب في منازلهم، ليس فقط من أجل الزينة، بل لأنها كانت جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، لم يكن من الغريب أن تجد في كل بيت رفًا يعج بالكتب، أو أن ترى الأب يقرأ لأطفاله قبل النوم .. كان الكتاب هو الرفيق الأول في السفر، وهو المتعة في الأوقات الهادئة، وهو الجليس الذي لا يخون
ندرك تمامًا أن الزمن تغير .. التكنولوجيا قلبت الموازين .. أصبح العالم أسرع من أن يمنحنا تلك اللحظات التأملية التي كنا نعيشها بين صفحات الكتب .. تغيرت العادات، احتلت الشاشات مكان الورق .. أصبحت المعلومة متاحة بضغطة زر، لم يعد الناس يرون ضرورة لاقتناء الكتب كما كان الحال في السابق ..
لكن، هل يعني هذا أن لذة تصفح كتاب يجب أن تموت ..؟
هل نقبل بأن تصبح القراءة مجرد ذكرى من الماضي ..؟
لا بل علينا أن نجد الطرق لإعادة الروح لهذا العالم الجميل
كيف نعيد الجمهور إلى الكتاب لكي لا يفقد الكتاب مكانته ..؟
لا بد من إعادة ربطه بالحياة اليومية للناس .. وهنا أقترح مجموعة من الحلول التي قد تساعد على إحياء عادة القراءة من جديد .. دمج القراءة في النظام التعليمي بطريقة حديثة
يجب ألا تبقى القراءة مجرد نشاط جانبي في المدارس، بل يجب أن تصبح جزءًا أساسيًا من العملية التعليمية .. أقترح أن يتم اعتماد حصص موازية في جميع المراحل التعليمية من الابتدائي إلى الجامعي، مخصصة للقراءة والتلخيص، بحيث يحصل الطالب على نقاط تُحتسب في تقييمه النهائي .. القراءة ليست ترفًا، بل هي مهارة أساسية يجب أن تُعامل مثل الرياضيات والعلوم
أنا سعيد ودغيري حسني .. أقترح شراكات مع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة عبر جمعية الناشرين، وتبدأ من الابتدائي حتى الجامعة، حيث تخصص نقاط تُدرج في الامتحانات لمن لخص أكبر عدد من الكتب أو يمتحن في التلخيص، حتى لا يكون قد استعان بالذكاء الاصطناعي، وتكون هناك حصص موازية كما هو الحال مع المسرح أو غيره، هو ورش يجب أن تتضافر الجهود للنهوض به، وتشجيع الشراكات بين دور النشر والمؤسسات التعليمية
لا ينبغي أن تقتصر العلاقة بين الناشر والقارئ على البيع والشراء، بل يجب أن تمتد إلى خلق بيئة حقيقية للقراءة، يمكن لدور النشر أن تنظم زيارات للمدارس .. تقدم ورشات عمل للطلاب حول كيفية اختيار الكتب وأهمية القراءة، بل وحتى كيفية الكتابة والتأليف، يجب أن يكون للناشر دور ثقافي وليس فقط تجاري
إعادة الاعتبار للمكتبات العامة والخاصة
المكتبات لم تعد تلعب دورها كما في السابق، يجب أن تتحول إلى أماكن جذابة .. تقدم أنشطة تفاعلية .. توفر فضاءات للقراءة الجماعية .. تجذب الناس عبر الفعاليات الثقافية المستمرة، كما يجب تشجيع الناس على إنشاء مكتبات شخصية في منازلهم من خلال حملات توعية .. خصومات على الكتب .. برامج تحفيزية للأسر التي تمتلك مكتبات منزلية
تحفيز الكتاب الشباب ودعم الكتاب الأول
الكتابة ليست مجرد موهبة، بل هي مسؤولية ثقافية على المؤسسات الثقافية، أن تضع برامج لدعم الكتاب الشباب .. خاصة، لمن ينشرون كتابهم الأول يمكن تقديم منح، أو تخفيضات في تكاليف النشر، أو حتى مساعدات في التوزيع والتسويق الكاتب الشاب الذي يشعر بالدعم سيستمر في الكتابة، سيساهم في خلق جيل جديد من الأدباء والمفكرين
مزج الكتاب الورقي مع التقنيات الحديثة
لا يمكننا إنكار تأثير التكنولوجيا .. لكن، بدلاً من محاربتها يمكن استغلالها يمكن أن ترافق الكتب الورقية رموز QR توفر محتوى إضافيًا، أو أن تصدر دور النشر نسخًا إلكترونية بأسعار مخفضة، مع برامج تشجع القراءة التفاعلية، يمكن أيضًا أن يتم تطوير تطبيقات تربط بين القارئ والكاتب تخلق مجتمعات رقمية تناقش الكتب وتروج لها
تنظيم مهرجانات ومعارض بأساليب مبتكرة
لم تعد معارض الكتب قادرة على جذب الجمهور كما في الماضي، لأنها لا تزال تعتمد نفس الأساليب التقليدية، يجب أن تتحول إلى مهرجانات ثقافية حقيقية، حيث يلتقي القراء بالكتّاب تُعقد الحوارات والندوات .. تُقدم العروض المسرحية والأدبية، بل وحتى يتم دمج أنشطة فنية وموسيقية مرتبطة بالقراءة، بحيث تصبح تجربة ثقافية متكاملة
القراءة ليست ترفًا بل ضرورة
إذا استسلمنا لفكرة أن الناس لم يعودوا يقرؤون، فإننا نخسر أهم أداة لصناعة العقول، ليس المطلوب أن نحارب التطور، بل أن نعيد دمج الكتاب في حياتنا بطريقة تتناسب مع العصر، يجب أن تبقى لذة تصفح كتاب وشمّ رائحة الورق وتقليب الصفحات عادة لا تموت .. الكتاب ليس مجرد أوراق، بل هو ذاكرة الأمة وروح الثقافة وجسر الحضارة إذا فقدناه فقدنا أنفسنا