مَدينة الغربية وسوْر موسى كما رآهما الفقيه الكانوني في بدَاية القرن العشرين
إعــداد – محمد البشير المشترائي
مسوّرَة في بسيط من الأرض .. مربّعة الشكل واسعة المساحَة، ولا زال سورها من بعض نواحيها ماثلاً رغم مرور الأزمان، وتقادم العصور وتُعرف بمشتراءَة، تكلم عليها الفقيه أبو عبد اللـه السيد محمد بن ابراهيم الدكّالي الفاسي وبها الآن دار القائد الشهير السيد محمد بن القائد عبد القادر العربي الدّكالي (بن حميدة) من أشهر العمّال برّاً، وأبعدهم صيتاً حفظه اللـه و وفّقه، ولا زال عاملاً إلى الآن، وقبله من حدود ستّ وثلاثين (1917) حفظه اللـه و وفقه .. وقد تكلم على هذه المدينة الفقيه أبو عبد اللـه السيد محمد بن ابراهيم الدكّالي المشترائي الفاسي في كتابه سلسلة الذهب المفقود في ذكر الأعلام من الأسلاَف والجدُود، نقلاً عن جواب للفقيه السيد الكبير بن عبد الكريم الشّاوي المرّاكشي لما نصّه « المشترَائي نسبة إلى مشتراءة، وهي قبيلة من قبائل عرب دكالة، كانت لها الشوكة والصّيت العالي بين القبائل، وكان سكانها بالمَدينة التي يقال لها مشتراة سميت باسمهم من باب تسمية المحل باسم الحال فيه .. ويقال إنها من بنائهم، بنوها في أو الإسلاَم وتحصّنوا بها حين تضَايق البربر مع الإفرنج
ومن غريب الاتفاق ما قيل، إن هذه المدينة على شكل مدينة المصطفىٰ صلى اللـه عليه وسلم، ولم يبق منها إلا الآثار ورسوم الديار بالبلاد الغربية من وسط صَقع بلاد دكالة .. واتصل سكنى قبيلة مشتراية بها إلى أن اندرست عمارتها في المائة السّابعة أوائل دولة بني مرين (سنة 1300 ميلادية) . وبها مات الوَاثق المعروف بأبي دبّوس آخر ملوك الموحّدين، سنة ست وتسعين وستمائة (قمنا ببحث لدى ابن خلدون الذي عاصَر الفترة وكذب موت أبو دبّوس آخر ملوك الموحّدين بمَدينة الغربية، بل وسَط المغرب قرب وادي أم الربيع )، وانتقل أكثرهم إلى مدينة مراكش، وتحضّروا بها، وما زال الجمّ الغفير من أعيانها من العلماء والصّلحاء والأولياء وأهل الخير رحمهم اللـه
قلت ولمّا مات الواثق أبو دبّوس في حربه هو السّلطان أبو يوسف يعقوب .. السّلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني أول سلاَطينهم في قضية تأتي إن شاء اللـه مفصّلة، وسبب قتله استولىٰ على مملكة المغرب الأقصَىٰ بعد أن كان مستولياً على فاس ونواحيه إلى سلاَ، وكان قتله يوم الجمعة منسلخ ذي الحجة من سنة سبع وستين وستمائة (1268)، وطيف برأسه في فاس وعليه انقرضَت دولة الموحدين، وقام سوق دولي بني مرين .. والبقاء للـه سبحانه لا رب سواه .. قال في سلسلة الذهب المفقود عقب ما تقدم، وقبيلة مشترايا هي إحدى القبائل الست الكائنة بدكالة ونواحيها، التي قيل إنهم يتوارثون المال، ولا شك أن فيهم جماعة من المشاهير كالشيخ أبي عثمان سعيد دفين مكناسة الزيتون، والشيخ أبي عمران موسى الدكالي دفين الجبل الأخضَر، وكالشيخ أبي النور عبد اللـه بن وكريس الدكالي .. الثلاثة كلهم مشترائيون، والثانية قبيلة صَنهاجة، منهم الشيخ سيدي أبو شعيب أيوب السارية، والشيخ سيدي عبد اللـه أمغار الأكبر، والشيخ أبو عبد اللـه أمغار الأصغر .. والثالثة قبيلة بني دغوغ، منهم الشيخ سيدي عبد الخالق بن ياسين قبره على نصف مرحلة من مرّاكش ( يَبت الخوَالقة)و وسيدي سعيد الدّاعي، دفين المقرمدة حوز بوحلّلو .. الرابعة قبيلة بني مَاݣر منهم الشيخ أبو محمد صالح دفين آسفي .. والخامسة قبيلة هزميرَة، ومنهم الشّيخ الوَالي العالم سيدي أبو زيد الهَزميري، دفين فاس المتوفىٰ سنة 677 هجرية (1278ميلادية)، وقيل سيدي أبو يعزى (بوعزة)، منهم على خلاف في ذلك .. والسادسة، قبيلة رݣراݣة، منهم الرجال السّبعة المسموع في جانبهم محبة النبي صلى اللـه عليه وسلم، وأكثر ما في دكالة من عرب دخلوا فيها ولبسوا جلدتها لما دخل العرب المغرب الأقصى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، أدخلهم يعقوب المنصور، حسب ما يأتي مفصلا في الجزء الثاني، والذي في دكالة من العرب هم الغربية وأولاَد سبيطة وأولاَد عُمران وأولاَد عمرو وأولاد بوعزيز وبنو هلاَل والعَونات وأولاد فرَج .. كنا نذكر أبو زيد الفاسي في الأقتوم وسياتي إن شاء اللـه
ومن الآثار العتيقة، سور موسىٰ بالقرب من مَدينة الغربية بمَوضع يُعرف بالطّالوع بقي منه الآن طرف، ويبين ذلك ابن الخطيب في نفاضَة الجرَاب قال : “كانت دُكالة تتحصّن به عند الحرُوب واللـه أعلم
الفقيه الكانوني
الجوَاهر الصّفية