آن الأوان لتنزيل قانون محاربة الاتجار بالبشر
مراسلة حسن لكحل
الحادث الإنساني المؤلم الذي وقع في السياج الحديدي الشائك، الفاصل بين مدينة الناظور ومليلية المحتلة، والذي أودى بحياة 23 شخصا، بسبب الهجوم الجماعي لما يقارب ألفي مهاجر أغلبهم سودانيين، مدججين بأسلحة بيضاء، على السياج الفاصل والتدافع وسقوط ضحايا تحت وطأة آخرين، ولولا تدخل القوات الأمنية المغربية في الوقت المناسب، لحصل الأسوء .. فضلا، عن تدخلات سيارات الإسعاف التي نقلت أعداد كبيرة من المصابين إلى المستشفى لتقديم الإسعافات و العلاجات الضرورية، وإنقاذ أعداد كبيرة من المصابين إصاباتهم متفاوتة الخطورة بمن فيهم القوات العمومية الأمنية
فالحادث المأساوي والمؤلم في مليلية المحتلة والذي ذهب ضحيته شباب مهاجرون من السودان وافريقيا جنوب الصحراء، الذين دخلوا مؤخرا إلى المغرب عبر الشريط الحدودي مع الجزائر في قوافل منظمة، بعد أداء فاتورة العبور لعصابات ومافيا الاتجار بالبشر، يؤكد مرة أخرى، أن جرائم الاتجار بالبشر ذات الطابع العابر للحدود الوطنية عرفت ارتفاعا غير مسبوق في السنوات الأخيرة، خاصة بعد ظهور جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول الأفريقية .. فضلا، عن الحروب وآثار التغييرات المناخية والجفاف المساعدة على الهجرة، حيث تنتعش شبكات إجرامية منظمة، خاصة على صعيد دولة مجاورة، تستهدف المغرب عبر إغراقه بالمهاجرين غير الشرعيين، لزعزعة استقراره، ولأجل الطعن في مصداقية مواقفه وقراراته على المستوى الإفريقي والدولي، ولتعاونه مع المنظمة الدولية للهجرة بشفافية كاملة في تنظيم الهجرة الآمنة والمنظمة وفق توصيات ميثاق مراكش لسنة 2018 .. فضلا، عن مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين وأسرهم، وهو ما بوأه مكانة متقدمة في الاتحاد الإفريقي، ومسؤولية هامة في تدبير ملف الهجرة واللجوء باختيار جلالة الملك، رائد للهجرة في إفريقيا، واختيار الرباط مقرا للمرصد الإفريقي للهجرة
وتتم ترجمة هذه المواقف والقرارات في تقديم ما يقارب 3000 منحة سنويا للطلبة الأفارقة لمتابعة دراستهم في مختلف الجامعات المغربية، وفي تبنيه لإستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء منذ سنة 2014، نتج عنها تسوية الوضعية القانونية لما يقارب 60 ألف مهاجر غير نظامي، أغلبهم من إفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك جميع الأطفال والنساء المهاجرات غير النظاميات، وهي عملية غير مسبوقة على المستوى العربي والإفريقي، وتمكينهم من ولوج المدارس والخدمات الصحية مجانا .. فضلا، عن تدابير وإجراءات الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمهاجرين، وذلك تنفيذا للتعليمات السامية لجلالة الملك محمد السادس، وفق مقاربة إنسانية اجتماعية وتضامنية، لقيت ترحيبا من طرف المجتمع الدولي و إشادة لجنة الأمم المتحدة المعنية بالعمال
فنظرا لخطورة جريمة الاتجار في البشر ودرجة توسعها وانتشارها، وكذا طبيعتها المعقدة من حيث التنظيم والتنفيذ و الجهات التي تنسج خيوطها لزعزعة استقرار المغرب بجانب تجار الأزمات و الاسترزاق السياسي المشكل من بعض الجمعيات التي تتغذى من مثل هذه الأحداث الإنسانية
على الحكومة المغربية تعزيز سياستها و التفعيل الأسلم لتوجيهات جلالة الملك من أجل إدماج المهاجرين وتحسين ظروف وشروط إقامتهم بالمغرب، وجعل ملف الهجرة واللجوء ضمن السياسة الحكومية ذات البعد الأفريقي والدولي ومراقبة الحدود لقطع الطريق على تجار البشر، خاصة بعد أن لوحظ نوع من التراخي على المستوى المؤسساتي والتدبيري لملف الهجرة، رغم أهمية النتائج المحققة منذ سنة 2016، وهو ما يدفعنا كمنظمة نقابية مهتمة بالعمال والمهاجرين إلى مطالبة السلطات المغربية:
* بتفعيل القانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، و الظهير رقم 1.16.127 صادر بتاريخ 25/08/2016 بتنفيذ القانون رقم 27.14، المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، لمواجهة تنامي ظاهرة الشبكات الإجرامية المنظمة والعابرة للحدود، التي تستهدف فئات هشة على رأسها النساء والأطفال والمهاجرين غير الشرعيين أجانب ومغاربة
* وضع خارطة الطريق من أجل التصدي لعصابات الاتجار بالبشر و عدم الإفلات من العقاب، و حماية الضحايا من المهاجرين الوافدين على بلادنا مثلهم مثل عدد من المواطنين المغاربة، الذين يقعون بدورهم ضحايا هذه الشبكات الإجرامية، والقيام بكل ما يلزم من أجل توقيف حركة الهجرة غير المنظمة من الحدود الجزائرية، الهادفة إلى إغراق المغرب بالمهاجرين غير الشرعيين
* إعمال مقتضيات ميثاق مراكش لسنة 2018، والاتفاق العالمي للأمم المتحدة من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية
* إخلاء بؤر تجمعات المهاجرين في الغابات، وإعداد أماكن آمنة لإيوائهم في انتظار إدماجهم الاجتماعي والاقتصادي، لوضع حد للمغامرات المتكررة في تجاوز السياجات الفاصلة بين المدن المغربية الحدودية مع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، أو من منافذ المحيط عبر قوارب الموت
* تنمية وتطوير قدرات المتدخلين من موظفين ومجتمع مدني ونقابات عمالية فاعلة في مجال الهجرة، للقضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر وحماية ضحاياهم من النساء والأطفال والشباب
* العمل على إنجاح الخيار الإستراتيجي الذي اعتمدته بلادنا في التعاطي مع إشكالية الهجرة واللجوء، بمقاربة إنسانية وفي بعدها الإفريقي، و وفق توجيهات جلالة الملك محمد السادس
* مراجعة التشريعات الوطنية الخاصة بالهجرة واللجوء لتتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والالتزام بتلك المعايير على الحدود، و حماية حقوق العمال المهاجرين وأسرهم
* مراجعة التركيبة الحكومية لتعيد مكانة الوزارة المنتدبة المكلفة بمغاربة العالم و شؤون الهجرة ” كمخاطب حكومي مسؤول و لمواصلة تنفيد الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بالهجرة واللجوء وتنزيل برامج خاصة بالمهاجرين ،بتنسيق مع الجماعات الترابية والسلطات العمومية ،
* إحياء ومأسسة “اللجنة الوطنية للتتبع و تسوية وضعية المهاجرين ودراسة الطعون” التي يرأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتصبح لجنة وطنية قارة، و تنسيق إجراءات مكافحة الاتجار في البشر والوقاية منه، بناء على مخطط وطني ميداني، ينبني على معايير وأهداف نوعية ودقيقة، وتعزيز الجهود المبذولة من طرف كافة المتدخلين للتصدي للاتجار في البشر، بمن فيهم المتاجرين بملف الهجرة لأهداف سياسية، أو الاسترزاق للحصول على مساعدة إنسانية يتم تحويلها لمصالح خاصة، أو منظمات أجنبية معروفة، هدفها الإساءة غالى بلدنا
* تنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، والوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقية وغيرها من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، و مأسسة و تفعيل دور المرصد الإفريقي للهجرة الذي يوجد مقره بالعاصمة الرباط
عن المكتب التنفيذي
علي لطفي
الرباط في 3 يوليوز 2022