من أجل إعلام مهني .. مواطن ومستقل (2)
منذ ولادتها يوم 29 يناير 1999، والنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ترفع صوتها عاليا لإعادة الاعتبار للفاعلين في حقل الإعلام بكل قنوات التعبير عنه، سواء المكتوب أو السمعي البصري، أو الإلكتروني، والمطالبة بالمزيد لصالح كل فئاته، من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وحماية حقوق المهنيين، القانونية والدستورية، بواسطة تنظيم نقابي مدني وديمقراطي ومواطن، وذلك لتحسين دورهم الوطني، وموقعهم في النسيج الاجتماعي والإنتاجي والمؤسساتي، حتى يكونوا فعلا نواة صلبة، ورافعة حقيقية لتأمين تطلعات المجتمع في الاستقلال والتحرر والديمقراطية، وكذا الحكامة الجيدة في التنمية، وتكريس موقعهم كسلطة رابعة حقيقية، لتأمين وتفعيل الرأي العام الوطني المواطن والديمقراطي الحقيقي، الكفيل بالإخبار والمساءلة و التنوير
إنها النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي اختار مؤسسوها أن تكون أداة ديمقراطية نقابية حقيقية، مندمجة في جسدها المجتمعي، ومعبرة عن واقعه بصدق، بعيدا عن النماذج المختلفة والانتهازية، لتمكين عموم المهنيين من أداء مهامهم، كما تمارس في أرقى المجتمعات، حتى يكون الإعلام الوطني قادرا على الحضور الإيجابي داخليا وخارجيا، و وفق أحدث المعايير ومنظومات التأهيل، التي تسمح للفاعل المهني بأداء واجبه في أحسن الظروف
لعل منظومة القانون الأساسي للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي توجه نضالاتها تكشف عن حقيقة مضمون الالتزام والفعالية والجرأة، التي تحدد طبيعة مسارها النضالي والديمقراطي والحداثي، لتحقيق وحدة الصحافيين والإعلاميين، والارتقاء بدورهم ضمن الطبقة العاملة في الوطن، وتأمين مصالحهم ومطالبهم، وفق ما نصت عليه قوانين الوطن والتشريعات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، و وفق ما يطمح إليه الفاعلون في كل قطاعات الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع والالكتروني
إن التركيز على الإعلام المهني بالنسبة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، يؤكد على سلامة الموقف اتجاه مضمون ومحتوى وشكل الإعلام المهني المرغوب فيه، حتى يكون إعلاما مسؤولا وموضوعيا ونزيها في كل أشكال تعبيره، سواء في الإخبار والمساءلة والتنوير، بعيدا عن كل ما يجعله إعلاما رخيصا وانتهازيا ودعائيا، والمهنية بالنسبة للنقابة، هي الممارسة المهنية التي تحترم العناصر الأساسية، التي يقوم عليها العمل الإعلامي المسؤول والجريء والنزيه، الذي لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا ضغوط من يوظفون الإعلام لحماية مصالحهم، والتغطية على سلوكاتهم المنحرفة والمشبوهة، وفي تصفية خصومهم ومعارضيهم في جميع المجالات، إلى جانب التوظيف والاشتغال على كل الوسائط والآليات والمناهج والبرامج، المؤدية إلى التحسن والتطور في الممارسة الإعلامية الملائمة لحاجيات المتلقي للمادة الإعلامية، وتوسيع مجالات الانفتاح والتواصل مع الآخر، ومع كل التجارب الإعلامية الرائدة، التي يمكن أن تحصن وتطور المشهد الإعلامي في كل وسائل التعبير عنه، والحرص على التكوين وتطوير التجربة الإعلامية، مما يساهم في تقديم المنتوج الإعلامي الأكثر تطورا ورقيا في شكله ولغته ومضمونه، ومهنية صياغته، التي تتلاءم مع خصوصية المجتمع وحاجاته، وهويته الثقافية والتاريخية والحضارية، والمتناسبة مع جميع القدرات والفئات العمرية
ينتصب مفهوم الإعلام المواطن في هذا السياق، للحديث عن الإعلام المتمسك بالهوية الوطنية والحضارية والتاريخية، من خلال وظائفه في ترسيخ قيم المواطنة ومعانيها الرمزية والمادية، التي لا تغازل ولا تساوم على الوطن في جميع المجالات، سواء في الإخبار أو المساءلة أو التنوير، ولا تتأخر في فضح كل اللوبيات والجهات التي تحاول النيل من الوطن والمواطنين، سواء كانت من الداخل أو الخارج، وبلورة هذه المواطنة في الحرص المطلق على استقلال الوطن وتحصينه، في جميع المجالات، وفضح كل الممارسات الفردية والجماعية، التي يمكن أن تنال من هذا الوطن، أو تعرقل تطوره الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، والروح التي يجب أن يعبر عنها الإعلام التي تكمن في استعداد الفاعلين على بلورتها في اندفاعهم التلقائي لصيانة وحماية هذا الوطن، والمساهمة في بنائه، من خلال التعريف بالمجهودات الخلاقة والمبدعة والمتقدمة، الفردية والجماعية، التي تؤمن نهضة الوطن، وتسرع عجلة تطوره في جميع القطاعات الإنتاجية والخدماتية والتدبيرية، والإشادة بالبرامج والمشاريع التنموية، الكفيلة بالنهوض بالوطن، وتسريع عمليات تطوره في القطاع العمومي والخاص، وتعبئة كافة العلاقات والإمكانيات المتاحة، ومحاربة كل اللوبيات التي تعرقل الجهود المخلصة والمؤمنة والمواطنة، بعيدا عن الإعلام الذي يمكن أن يكون خائنا للوطن في هذه الظروف التي تقتضي مساهمته الوازنة والفاعلة في التعبئة، وتجنيد الإرادات الخيرة والوطنية لتحقيق التحدي المطلوب للوصول إلى ما يعزز الحاضر الوطني المشرق، ويمهد الطريق نحو المستقبل الزاهر لهذا الوطن، الذي حرره السلف الصالح، لكي يواصل الخلف المسيرة التحررية والتنموية، ومنها فئة الصحافيين والإعلاميين والمواطنين والمناضلين، الذين احترفوا المهنة الإعلامية في كل وسائطها المكتوبة والمرئية والمسموعة والالكترونية، التي لا يجادل أحد في أهمية وجودها و وظيفتها في المجتمع، والتي تتطلب من ممارسيها، الرهان على الحياد والجرأة والفعالية في الصياغة والتحليل، واستخلاص الموقف المطلوب، سواء كان يهم الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات
لعل عموم الفاعلين الإعلاميين يستحضرون خطورة الممارسة الإعلامية ونبلها الحضاري، الذي يجب بلورته على الأرض بما يقتضيه من فعالية ومهنية، والقواعد الأخلاقية التي تتطلبها .. وذلك، في أفق أن يتقمص هذا الإعلام وظيفته كسلطة رأي عام وطني، مؤهل للحرص على مصالح الوطن والمواطنين، وقادر على تكريس وإشاعة قيم المواطنة والحرية والديمقراطية والحداثة في المجتمع
بالنسبة للاستقلال في الإعلام، فالمقصود به ممارسة الفاعلين لوظائفهم في استقلال عن جميع مراكز النفوذ الاقتصادي والحزبي والنقابي والمدني، التي يمكن أن تسخر هذا الإعلام للدعاية لتوجهاتها الفئوية الطبقية، ولتصفية منافسيها وخصومها في مجالات نشاطها، وأن تبرز هذه الاستقلالية في كل مراحل إعداد وصياغة وإنتاج هذا العمل الإعلامي في مختلف وسائطه، والحرص في هذه الاستقلالية على احترام أخلاقيات العمل الإعلامي، وقيم المواطنة، والثوابت المكرسة لسلطة المجتمع، دون ولاء أو مجاملة، وإبراز هذه الاستقلالية في الحياد الإيجابي لصالح المواطن والمساءلة، والفضح لكل من يهدد الاستقرار والسلم، والتضامن المجتمعي، وتشجيع الفئات والعناصر القادرة على الإبداع والعطاء في جميع المجالات، ومكافحة جميع الأمراض والظواهر المنحرفة، التي تكرس التخلف والإفلاس، والتي تشجع على التخاذل والتراجع والانحراف، وهذا ما يؤمن به جل الإعلاميين المهنيين الحقيقيين، الذين يضعون مصالح المجتمع والوطن كأولويات أساسية في عملهم
فهل ستتاح لهذه الاستقلالية أن تعبر عن وجودها في سلوكات هؤلاء الجنود في مشهدنا الإعلامي ..؟
المعلوم، أن الاستقلالية، لا تعبر عن ذاتها إلا في المناخ الديمقراطي الحقيقي، الذي تُمارس فيه حقوق الإنسان، ومنها حرية التعبير .. ذلك المناخ المكرس للحق في الاختلاف للرأي الآخر، الذي يخدم التنوع والتعددية المقررة في دساتير الوطن، ومن لم يؤمن بذلك فله الحق، دون إكراه الآخرين على القبول به في إطار العمود الفقري للإعلام، الذي يجسد نفسه في الرأي والرأي الآخر، الذي تسعى النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، إلى تكريسه على أرض الواقع، عبر التزام الفاعلين بأخلاقيات الممارسة المهنية المستقلة، القادرة على أداء وظائفها، ونقد أخطائها ومراجعتها، تحت سلطة جهاز وطني منتخب، ويمتلك القدرة على تفعيل ذلك، ويحظى بثقة الفاعلين جميعا، ويمارس وظيفته النقابية من خلال مساهمة كافة المنخرطين فيه، إقليميا وجهويا و وطنيا، دون تسلط بيروقراطي أو روح الهيمنة الحزبية أو الإيديولوجية الضيقة