النزاع الروسي الأوكراني والتلويح بالحرب الباردة بين الشرق والغرب
يظهر من مخطط التصعيد بين أوكرانيا وروسيا أن الأمور لن تتوقف عند الحرب النفسية المفتوحة حاليا بين الطرفين .. ونظن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن دخول أمريكا على الخط يمكن أن يفجر الأوضاع التي ستمتد إلى جهات أخرى في أوروبا، ويمكن أن تصل شرارتها إلى مناطق النفوذ الروسي والأمريكي البعيدة عن روسيا وأوكرانيا، إلا أن أغلب العقلاء الذين يراهنون على الحل الدبلوماسي، مثل رئيس فرنسـا الذي يعمل على إعادة عناصر الوحدة والقوة لأوروبا، له رأي مخالف لأعداء روسيا
إن الترتيبات التي يعمل عليها المعسكر الغربي تتجه نحو محاصرة روسيا عسكريا، وإبادة العقوبات الاقتصادية ضدها، حتى وإن لم تكن القيادة الروسية تعمل في الاتجاه المضاد، رغم الحشد العسكري حول أوكرانيا الذي يتخوف الغرب من استغلاله لغزوها، وإنهاء كل ما تفعله الغرب لخروجها من المعسكر الشرقي حتى الآن، بالرغم من أن منتهى أحلام روسيا هو المصالح الاقتصادية أولا، وضمان وصول غازها إلى أوروبا بالمقارنة مع تطلعات الغرب في إضعاف روسيا وتقزيم أظافرها ومنعها من إحياء عناصر قوتها العسكرية، التي كانت تخيف الغرب أيام الحقبة السوفياتية، ويمكن القول أن المصالح الجيوإستراتيجية السياسية والاقتصادية التي تحرك هؤلاء في أوكرانيا اليوم، سيما أنها أصبحت تمتلك تفوقا عسكريا هائلا يسمح لها بحماية مصالحها وتخويف خصومها في الدول الغربية
من جهة أخرى، يحاول الغرب عبر حلف النيتو والدول الكبرى، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الضغط على روسيا، ومنعها من التوسع الجغرافي، واسترجاع نفوذها في أوروبا الشرقية خاصة، إلا أن دول الغرب مجتمعة لا تستطيع منافسة روسيا التي تحاول إحياء أمجادها الإمبراطورية، وليس السوفياتية، وتأمين حدودها من محاولات الدول الغربية خلق العراقيل في وجه تقدمها الاقتصادي، فبالأحرى العسكري، وقد اتضح ضعف دول النيتو في الحروب الإقليمية المجاورة، كالشرق الأوسط التي تأكدت فيه القوة الجبارة لروسيا في سوريا خاصة، حيث سمح وجود روسيا في الحرب في هذه الدولة العربية بميلان وزنها العسكري في المنطقة رغم وجود دول النيتو والدول الكبرى
نحن في العالم الثالث، لا نريد أن تتحول روسيا إلى وضعها التاريخي الإمبراطوري، ونتمنى أن يكون تفوقها في الاتجاه الذي يسمح بالتوازن والسلم في العالم، وخلق شروط التكامل والتعاون الذي يسمح للدول النامية بالتطور في تنميتها، بدون تبعية و ولاء للقوى التي لا زالت متشبعة بالثقافة الاستعمارية
إن تاريخ الصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي، يطرح خطورة المخلفات والجروح التي خلفها بالنسبة لشعوبها، و لا يمكن بالضرورة أن تموت أو تتراجع المشاعر السوداوية الحزينة حولها .. ونظن أن درجة الغليان في المعسكرين تذكرنا بعدم طي صفحات ماضي هذه الحرب، التي تأججت بينهما عقب انهيار الاتحاد السوفياتي على يد من خانوه في المكتب السياسي للحزب الشيوعي بقيادة خورباتشوف وزوجته، الذي فك ارتباطه بالدولة السوفياتية، وبدأ بقطع مفاصل قوتها وتفكيك إمبراطوريتها في أوروبا وآسيا بمبررات نظرية إعادة البناء، مما يدل أن العودة الروسية إلى إحياء ماضيها تدخل فيه هذه التركة السياسية والإيديولوجية، التي لم يفهم القادة الذين تحملوا السلطة بعد فترة القوة العسكرية والسياسية .. ونظن أيضا، أن طرفي الصراع يعرفان ذلك عن قرب، ولا يريدان التخلي عن هذا الماضي الأسود في علاقاتهما
إن مواصفات عودة الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والشرقي قائمة اليوم في التحرشات ضد الصين و روسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا، حيث تبحث الدول الغربية على ما يساعدها على حماية نشاطها الاستعماري الحديث، عبر شركاتها المتعددة الجنسية ورغبتها الكبيرة في السيطرة على الاقتصاد العالمي إنتاجا وتسويقا وأرباحا .. ومن المؤكد، أن الغرب الرأسمالي هو الذي يمول ويهيئ شروط التصادم مع المعسكر الشرقي اليوم من أجل الإبقاء على الحرب الباردة، التي كانت وراء انهيار المعسكر الشرقي عبر تفكيك وإضعاف الاتحاد السوفياتي في الثمانينات من القرن الماضي
المستقلة بريس