بقلم: ذ يوسف عشي
انتهت عملية الإنقاذ التي استهدفت إنقاذ الطفل المغربي ريان، الذي سقط ببئر على عمق يفوق الثلاثون مترا ..
عملية الإنقاذ التي فاقت مدتها خمسة أيام نظرا لوعورة المنطقة والظروف الصعبة للتربة، انتهت بإخراج الطفل من البئر .. لكن، بإعلان وفاته ..!
ريان ذي الربيع الخامس، ظل بالبئر طوال تلك المدة وسط حملة إعلانية ذائعة الصيت، شملت العالم برمته في حدث أعاد للإنسانية لحظة من لحظات استيقاظها مشكلا ملحمة من ملاحم الضمير الإنساني
رحل ريان، بعد أن وحد الشعور الإنساني بالخطر، وجمع شمل العالم بأسره على هدف واحد، ولفت انتباه الإنسانية إلى أكبر مساوئها في هذا العصر .. “الفردانية الموحشة”
قدم الصغير حياته ومعها قدم للبلد إحدى أكبر التضحيات التي تجعله في مصاف الشهداء .. !
العالم الذي لم يتوحد في مواجهة أخطر وباء دمر اقتصاد الكوكب بأكمله، توحد حول نداء واحد: “انقذوا ريان ..!” ولا حديث ولا بؤرة للشاشات حول العالم ضاهى استحواذ صور الجبل والأتربة والقياسات والتشبيهات والشروحات لسيناريوهات عملية الإنقاذ ..!
رحل ريان وترك لنا مجموعة من نقاط الاستفهام حول التنمية البشرية وتطوير البلد والبنية التحية والعمل الحكومي و .. و .. و .. في بلد لم يكلف رئيس حكومتها نفسه عناء كتابة ولو تدوينة تضامن مع طفل يحتضر أمام أنظار العالم بأسره ..! كان لابد من أن ننتبه إلى أن عملية الإنقاذ كانت معكوسة ..!
الدولة لم تكن في عملية إنقاذ لريان، بل ريان من كان ينقذ البلد الذي هو على بعد يوم أو يومين من فتح حدوده الجوية التي ستشهد لا محالة توافد مئات الآلاف من السياح، الذين ستشكل المنطقة التي جذبت أنظار العالم وجهتهم الأولى، إضافة إلى باقي الوجهات السياحية بالبلد ..!
البلد التي انتبه مسؤولوها اللامسؤولين إلى فداحة أخطائهم بترك المناطق المغمورة دون الاهتمام ببنيتها التحتية .. حتى يخرج الناطق باسم الحكومة ويلوم بكل غباء المواطنين على توافدهم بكثافة وتعطيل عملية الإنقاذ في منطقة لم تسهر الحكومات المتعاقبة كلها على تدبير شأن بنيتها التحتية كما يجب ..!
رحل ريان بعد أن جعل العالم بأسره يكوِّن فكرة رائعة عن السلطات المغربية، التي لم تذخر جهدا في حشد الآليات والمعدات المادية والبشرية لإنقاذه .. في عملية إنقاذ تابعها العالم بأسره لحظة بلحظة .. وصور البلدوزرات وخطابات المراسلين والمحللين المغاربة تملأ شاشات العالم .. في صورة تكرر مشهدا هوليوديا لطالما شاهده العام فقط في الإنتاجات السينمائية الصخمة ببلاد العم سام ..!
رحل ريان شهيدا مقدما حياته لوطن يئن تحت وطأت تردي مؤشر التنمية البشرية، ويضرب ناقوس الخطر أمام أنظار العالم .. مشكلا ضغطا إيجابيا سيجعل المسؤولين يستفيقون من سباتهم العميق ..!
رحل ريان شهيدا مقدما حياته لوطن يئن تحت وطأت الفساد .. معلنا حربا عالمية على الفساد بالمغرب .. ورافعا سبابته المؤشرة على جرم المسؤولين وتغاضيهم عن محاسبة الفاسدين حتى لا يجد الإنسان مسلكا صالحا للتنقل بمنطقة لا تبعد عن مدينة تطوان التاريخية إلا بالقليل من الكيلومترات ..!
رحل ريان وترك لنا أملا كبيرا في الإصلاح بعد أن فضح الفساد أمام أنظار العالم، مقدما حياته البريئة ثمنا لتهاون المتهاونين وخذلان المتخاذلين، ممن تولوا مسؤولية تدبير الشأن العام بالمغرب ..!
رحل ريان الحقيقي، الذي غطى و وارى ريان هوليود الذي خضبت به ولايات العم سام صورتها .. رافعا لواء الاستشهاد من أجل الإصلاح بكل براءة ..!
رحم اللـه ريان .. ورحم معه بلدنا الحبيب
..
قال تعالى:
{وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للـه وإنا إليه راجعون} ..
والسلام عليكم