الإعلام والصحافة في دول المغرب العربي ومشروع الاندماج المغاربي
في ظل اتساع الهوة وتباعد الرؤيا الوحدوية بين شعوب المغرب العربي، التي عمقتها القضايا السياسية والاقتصادية المطروحة، وغياب مناقشتها بين صحفيي المنطقة، وخضوع معظمهم لتوجهات الأنظمة الحاكمة لن يتسنى لشعوب المنطقة في احتواء النزاعات والخلافات التي تحول دون تحقيق الوحدة، ولو في أدنى صورها، رغم الإمكانيات التي يمكن العمل عليها في إطار اتحاد المغرب العربي، الذي لا يزال مشروعا على الورق، دون تفعيل الشعارات الوحدوية التي قام بها .. لذلك، لا يعول على الصحافيين في إنجاز الاندماج المغاربي الموعود في ظل التشرذم القائم بين أنظمته حتى الآن، وضغط ورفض الأنظمة السياسية من مبادرة الصحافيين في هذا المجال
إن الصحافة السائدة في دول المغرب العربي، جلها تعيش على الميزانية المخصصة لها في الدول التي تتحكم في إنتاجها وتسويقها، ولا تسمح باستقلاليتها التي تتلاءم وتوجهاتها .. خصوصا، في إثارة موضوع الوحدة ومشاريعها، وبخاصة من قبل ليبيا وتونس مؤخرا من خلال مبادرة الغنوشي والجزائر التي لم تعمل أنظمتها إلا على تعميق الحواجز وافتعال المشاكل التي تقتل تطلعات الشعوب في تجاوز معوقات الوحدة، وتكفي الأوضاع الراهنة خلال الربيع العربي، وما يعده التي تنهج فيه الجزائر نحو ما يمكنها من الهيمنة على المنطقة، كما يجري في عدائها للمغرب ضد وحدته الترابية، وتشجيع الحركة الانفصالية في صحرائه المسترجعة، وما يجري في تونس وليبيا عبر مخططاتها التي تكشف غياب المنظور التضامني والتعاوني من حكام الجزائر، الذين يتعاونون لحماية مصالحهم الهيمنية في المغرب العربي
بالنسبة للإعلام الحزبي والخاص لا يختلف المهتمون بالمشهد الصحفي المغاربي أنهما في فوهة المدفع، الذي تعافى منه الإعلام والصحافة الخاضعة للدولة المتحكمة في المواقف والخط التحريري، حيث يعرفان التطور، خاصة في الجزائر وليبيا، بما يتجاوب مع تطلعات شعوبهما في التخلص من الاستبداد والفساد، ورغم اتساع التعاطي مع الإعلام الرقمي، فإن ذلك لم يساعد على إرساء تحرر الإعلام والصحافة، حيث لم تنج المواقع الرقمية المستقلة من هذا التدخل والسيطرة الحكومية، وإن كان المغرب وتونس أكثر تحررا في الخط التحريري وأجناس المواضيع، وإصدار المواقف .. ونظن في المستقلة بريس، لسان حال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن مستوى حضور القضية المغاربية في الإعلام المغربي والتونسي أرقى بالمقارنة مع الجزائر وليبيا، ويمكن الاطمئنان إليهما في الارتقاء بالوعي الجماهيري بأهمية الاندماج المغاربي .. خصوصا، في هذه الفترة من التاريخ المغاربي
إن الصحافة والإعلام في المنطقة في الوقت الراهن وبمواصفاته في خدمته لأجندة الدولة في المغرب العربي التي لم تتحرر وتصل إلى الاستقلال في خطوطها التحريرية الموظفة بالكامل لمصالح الأنظمة حتى في بناء مشروع المغرب العربي في صيغته الاتحادية، كما هو حال الاتحاد الأوربي أو الإفريقي، وحتى استقلاليته المهنية الداخلية لم ترق إلى ما يطمح إليه المهنيون، فبالأحرى السماح لهم بالمشاركة في التفكير والتخطيط لهذا المشروع الوحدوي، الذي لن يكون بدون إرادة شعوب المغرب العربي في ذلك المغيبة حتى الآن، والمفرملة من الجزائر التي تعتبر نفسها مؤهلة للقيام بذلك
إن فكرة تحقيق الاندماج المغاربي التي تؤمن بها شعوب المغرب العربي لا يمكن أن تترجم نفسها في طرح تصور مهنيي الصحافة والإعلام، الذين لا يزالون دون فضاء الحرية والديمقراطية الذي يسمح لهم بالتأثير في صناع القرار السياسي، الذين لا يزالون خارج السرب المجتمعي المغاربي، الذي يحلم بإنجاز الحلم المغاربي الذي لن يقوم في ظل الأوضاع الراهنة للمنطقة، الذي يجب أن يتغير ويتطور في الأفق الذي سرع عملية البناء والاندماج المغاربي في نهاية المطاف