عن الكلام المستباح في قنوات التواصل الاجتماعي التي تفتقر للمهنية وأخلاقياتها
يكاد الناشط في قنوات التواصل الاجتماعي تفعيل اندفاعه الحماسي في إفراغ حمولته في كل الاتجاهات، دون أن يحدد لنفسه الموضوع الذي يطرحه في تدوينته أو تدخله، ودون أن يحلل عناصره وفق منهج يحلل منه ما يريد أن يعبر عنه اتجاه إشكالية الموضوع والخلفيات التي تتحكم فيه، حيث تظل مبادرته مجردة من العمق الذي يبحث عنه القارئ أو المشاهد، إلى أن ينتهي به المطاف إلى الكلام المستباح الذي يلامس الجزئيات التي يقوم عليها مضمون الموضوع المطروح
بهذه الرؤيا يتعامل جل نشطاء التواصل الاجتماعي مع القضايا التي يطرحونها للقراءة أو المشاهدة، التي يعتقدون أنها تعبر عن وجهات نظر وعي الرأي العام الوطني، وما هي كذلك، ونسبة هذا الكلام المستباح إلى الصحافة تعسفا، وهو ليس كذلك، بالنظر له ككلام مسترسل يدعي الإحاطة بالموضوع، أو الحدث أو القضية، وما هو في الواقع إلا تعبير عن حالة الناشط اتجاه ما رآه وسمعه أو بلغه عبر تحيين موضوعاته التي لا تتجاوز القضايا والأحداث التي يفرزها المعيش اليومي، كما تمارس في جل قنوات التواصل الاجتماعي بواسطة التقاطها لما يطفو على سطح هذا المعيش اليومي، والذي تسجل فيه السلوكات التي تتعارض مع أبسط قيم وأعراف وقوانين هذا المعيش اليومي، سواء كانت هذه الموضوعات تخص الأفراد أو المؤسسات، وبحكم براءة الممارسة التي تنجز يسمح صاحبها كناشط اجتماعي عن نفسه بالتعبير عن رأيه وموقفه، حتى وإن كان يجهل أبسط المعلومات التي تجعل حكمه صحيحا ومطلوبا، كما يفعل الممارس الصحفي في تعاطيه مع الموضوع أو الحدث في العرض والتحليل قبل إصدار حكم قيمة حوله
نحن في جريدة المستقلة بريس الإلكترونية، لسان حال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي تدرك بعمق أهمية حرية التعبير في صياغة المادة الصحفية والإعلامية، نعتبر اليوتبر المتحدث أو المصور في هذا الإعلام الرقمي الجديد بنفس الحقوق والمصالح التي ينفرد بها الصحفي أو الإعلامي التقليدي، ونرى كما فعل نشطاء التواصل الاجتماعي في أمريكا، التي شهدت الثورة الرقمية والصحفية على حد سواء، وانتزاعها لمشروعية الوجود المهني في الأحكام القضائية التي أصدر المشرعون حولها التعديلات الدستورية، حتى وإن كان لا مجال للبيئة الحاضنة للإعلام الرقمي في أمريكا، وما عليه في مشهدنا الصحفي والإعلامي الوطني .. لأجل ذلك، ندعو في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، الممارسين في قنوات التواصل الاجتماعي إلى المهنية والحرية المسؤولة، وإلى الانخراط في العمل النقابي مهما كانت خلفياته السياسية والنقابية والأيديولوجية، من أجل حماية الحقوق وتأمين الحريات العامة التي تشكل الأكسجين الذي يمنح الحياة لأي منتوج يريد أن يكون صحفيا أو إعلاميا
لن نتحدث عن التجربة المغربية، ولن نقدمها، نظرا لأنها في بداياتها ولا زالت تحتاج إلى المتابعة والممارسة والتأهيل والتكوين، الذي من شأنه الرقي بها وظيفة ومواقفا وأحكاما، حتى يمكن تصنيفها مع معايير وصيغ الإعلام الرقمي الجديدة، التي تطارد الحقائق العارية، وتحاول وضعها أمام المتلقي القارئ أو المشاهد أو لمستمع كما هي، وبالمفاتيح التي تقربه من مضامينها وخلفياتها، وإتاحة الفرصة لقدراته البيولوجية والنفسية للاقتراب منها بأقل التكاليف .. ولعل الانخراط الواسع في استعمال هذه المفاتيح الجديدة للعرض والاستهلاك والتقييم تتحدث عن نجاحاتها المتواصلة
ما نرجوه في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، هو أن تكون أجناس التعبير الموظفة عبر قنوات التواصل الاجتماعي مساعدة على الارتقاء بالوعي الفردي والجماعي، وتسمح له بالتخندق الموضوعي الجديد الذي يمكنه من حسن التعامل والمتابعة الجادة، التي تجعله أكثر عقلانية ونزاهة في الحوار والأحكام التي يعبر عنها اتجاه القضايا والموضوعات التي تطرح عليه ضمن أجناس العمل الصحفي المعبر عن الرأي العام الوطني، وتعبيراته الجديدة المتمردة عن كل أشكال الوصاية والترويض من قبل الأفراد أو المؤسسات المعنية في الوطن .. لكل ذلك، نقول، أن التمكن من التقنية لا يعني توظيفها لتكسير وتعرية ما يجب أن يظل حارسا للهوية و القيم والرموز في المعيش اليومي .. وبالتالي، فنحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، المؤمنة بحرية التعبير وبفعالية الإعلام الشعبي البديل، لسنا مع الانتهازية والعبثية والعشوائية التي تفرغ الممارسة في قنوات التواصل الاجتماعي من جميع المحاسن والمكاسب التي يتم تحقيقها عبر هذه القنوات الاجتماعية، التي أصبحت أكثر متابعة ومشاهدة من لدن جميع الفئات الاجتماعية