اختصاصات السلطة المحلية وضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة
ربما بدأ بعض رجال السلطة المحلية يشعرون بالدفء وبإمكانية تجاهل القوانين الجديدة التي بدأ يجري تنزيلها بعد دستور 2011، إلى السقف الذي يعتقدون فيه أنه لا توجد أي سلطة تكبح طموحاتهم للعودة بالوطن إلى ما قبل هذا الدستور، ومن ذلك إيمان بعضهم أن المسؤولية التي يديرونها في أقاليمهم وعمالاتهم غير خاضعة للمبدأ الدستوري الذي يؤكد على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن المواطنين بدؤوا يتناسون ما جاء به العهد الجديد من التزامات دستورية تقتضي أن يكون رجال السلطة الإدارية والعمومية في طليعة شرائح المواطنين الذين يحترمونها
لن نعطي الأمثلة فما أكثرها، ويمكن تتبعها فيما يمرر من فيديوهات وتدوينات ومقالات في العالم الافتراضي، الذي أصبح يمارس وظائف المراقبة القبلية والبعدية على سلوكات من يريدون تجاهل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي يعتقد بعض رجال السلطة أنه يهم المنتخبين فقط
في هذا الإطار، ننصح هذا النموذج من رجال السلطة إلى العودة إلى ضمائرهم والتسليم بأنهم موظفين في خدمة الشعب، وأنهم ملزمون باحترام حدود اختصاصاتهم التي أصبحت تشكل في الواقع الراهن عبئا ثقيلا لم تعد تقبل مرحلة الانتقال الديمقراطي الحالي التي يمر منها الوطن الاستمرار فيها، بعد أن أصبح الشعب المغربي عبر نخبه التي تتوالى على تدبير الشأن العام الحكومي والبرلماني والجهوي والجماعي والمحلي قادرة على ممارسة اختصاصات السلطة، بعد أن استنفدت هذه السلطة أسباب وجودها في ظل المجتمع الديمقراطي الحداثي، الذي يقود جلالة الملك محمد السادس حفظه اللـه أوراشه الاقتصادية والسياسية بحكمة واقتدار
إن معالم الدولة الديمقراطية التي نتطلع إلى إرسائها في مجتمعنا المغربي، أصبحت تفرض سرعة الانتقال الديمقراطي بالتخلي عن كل ما يشدها إلى الماضي، وإلى كل المؤسسات التحكمية المخزنية التي انتهت صلاحيات وجودها القانوني والفعلي في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي أقر سياسة القرب والإسراع بالمنهجية الديمقراطية نحو تكريس التداول على السلطة في الجهات والأقاليم والعمالات والجماعات، بما يسمح بتجديد النخب والمشاريع التنموية .. ونعتقد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، كما عبر عن ذلك رئيس محكمة النقض في ندوة نظمت ببيت الصحافة بمدينة طنجة “أن استقرار الديمقراطية في بلادنا مرتبط اليوم بالقضاء المستقل وسلطة الإعلام النزيه المستقل”، وهذا ما أكد عليه جلالة الملك في أكثر من مناسبة، حيث لا فائدة اليوم من تضخم السلطة في مقابل تضخم المجالس المنتخبة التي يمكن تغييرها بالمنهجية الديمقراطية، و التي لا تشكل عبئا ماليا على ميزانية الدولة، التي يمكن صرفها في القطاعات التي تحتاج إليها
نحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نختلف بأن تطور الدولة بعد الحصول على الاستقلال كان يقتضي وجود سلطة إدارية انتقالية .. لكن، هذا لم يعد قائما اليوم بعد تطور التجربة الديمقراطية البرلمانية والجماعية والجهوية، كما أننا لا نطالب بالإلغاء الكلي لهذه السلطة التي يجب أن تظل في اختصاصات العمال والولاة، الذين يمثلون الدولة، وباختصاصات محدودة لا تتجاوز تمثيلها فقط في مقابل توسيع صلاحيات واختصاصات الديمقراطية التمثيلية المعززة للمشاركة السكانية، وللتداول على السلطة عبر المنهجية الديمقراطية التي اختارها المغاربة، لكريس دولة الحق والقانون والمؤسسات المحكومة بالضوابط الدستورية في كل الاختصاصات التي تمارسها وطنيا وجهويا وجماعيا
لن نوقف النقاش، وما يمكن أن نطرقه من إشكاليات حول هذا الموضوع، وسنكون سعداء بمشاركة أوسع في هذا النقاش، بما في ذلك من يهمهم مجال تدبير الشأن العام في الوطن، في ظل وجود هذه الظواهر السلبية التي تتجلى في تناقض الاختصاصات التدبيرية بين المنتخبين ورجال السلطة، التي تحول وتحقيق الوجود الفعلي لدولة الحق والقانون والمؤسسات المجسدة للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة