بظهور لائحة المستفيدين من الدعم العمومي للصحافة والإعلام مؤخرا، لم يعد بالإمكان تزييف الحقائق الملموسة التي يوجد عليها واقعنا الصحفي والإعلامي في ظل هيمنة الانتفاعيين المتحكمين، الذين يبحثون عن تأمين نفوذهم دون حسيب أو رقيب، وبمنهجية الإقصاء والتميز الطبقي التي تتناقض مع أبسط أهداف وتطلعات الفاعلين في النزاهة والعقلنة والدمقرطة واتلحكامة، و توجيهات جلالة الملك في الارتقاء بالصحافة والإعلام.
لسنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ضد صرف المال العمومي على الصحافة والإعلام .. لكن، تكريس سياسة “زيد الشحمة فظهر المعلوف” تمثل منتهى الاستخفاف والعبث بالعقول وبأبسط مطالب المهنيين في العقلنة والدمقرطة والحكامة، التي يؤمن بها عموم المهنيين، الذين حرم معظمهم من الدعم من المال العمومي.
إن النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، الرافضة والمعارضة لسياسة الريع في الصحافة والإعلام، تعتبر إصرار واستمرار العمل بهذه السياسة الطبقية المدانة تكريس لسياسة الأمر الواقع، وإهدار لمجهود الدولة في الارتقاء بالمشهد الصحفي والإعلامي الوطني، وتجسيد للإقصاء والتعامل المصلحي الذي يخدم مصالح المتحكمين في المجلس الوطني للصحافة، عبر دعم المسوقين والمطبعين.
إن المعايير والشروط التي تمت بها عملية توزيع الدعم العمومي للصحافة والإعلام مؤخرا، تشرعن المنظور الطبقي والحزبي والنقابي المرفوض، والذي بدأ الاشتغال عليه منذ ثمانينات القرن الماضي .. في الوقت الذي لا يزال السواد الأعظم يعاني من مساوئه، والذي لا يزال جلهم يتطلعون إلى الحسم مع هذه المسلكية النفعية “المافيوزية” الواضحة، التي تزكي الفساد واقتصاد الريع المحارب من قبل كافة القوى الحية الديمقراطية والوطنية والتقدمية، والذي لا يمكن الاعتماد عليه في الصحافة والإعلام المجسدة للرأي العام الوطني، وكما يتضح من لائحة المستفيدين الذين ينتمي جلهم إلى الأحزاب والباطرونا الذين أخذوا حصة الأسد من هذا الدعم العمومي الموجه للمقاولات الصحفية والإعلامية المتعثرة في صدورها والغير مستفيدة من الإشهار والعاجزة على مواجهة المنافسة الشرسة من قبل صحافة حيثان القطاع الخاص والحزبي، التي بدأت تعاني من إفلاس تسويق منتوجها الورقي.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نشعر باحتقار الدولة والمجتمع حين يوزع المال العمومي بهذه المنهجية الانتقائية الطبقية المكرسة للحيف والتمييز السلبي المنافي لأبسط قيم الديمقراطية والعدالة والحرية، وللممارسة الصحافية والإعلامية المستقلة التي يجب أن يكون عليها المشهد الصحفي والإعلامي، الذي يريده الفاعلون أن يكون أكثر شفافية وحكامة في تدبيره الإنتاجي والتسويقي .. ومن هنا يحق لنا، أن نتساءل عن دواعي دعم الصحافة والإعلام الرقمي بدون معايير ديمقراطية وتحررية حقيقية ..؟ وهل لا يزال مقبولا العمل بسياسة “زيد الشحمة فظهر المعلوف” التي تستفيد منها الصحف المقربة من الجهاز المعني بصرف الدعم العمومي، والتي لا تساهم إلا في مزيد من سياسة التخلف والتسيب والتمييز السلبي التي لا تخدم المشروع المجتمعي في امتلاك الوطن لصحافة وإعلام مواطن ومستقل حقيقي ..؟
حتى لا نتهم بما لا يتجاوب والأهداف التي نسعى إلى أن يكون عليها إعلامنا وصحافتنا كما هو حال أرقى التجارب العالمية الملموسة، فإننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي لم تفصل دائما بين المطالب المادية والحقوقية، نستنكر استمرار هذا الحيف التمييزي السلبي الذي يتعارض وتطلعنا المجتمعي في وجود إعلام وطني مستقل وفاعل، لتكريس رأي عام يتجاوب وأهداف المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي يترقبه جلالة الملك حفظه الله و عموم المغاربة.
للموضوع بقية
زر الذهاب إلى الأعلى