عبد الرزاق الفلق
ما من شك أن العديد من الناس على اختلاف مشاربهم، لا ينفكون يتحدثون عن السياسة والسياسي، ولكل واحد منهم وجهة نظر أو تعريف لرجل السياسي أو السياسة، وحتى يمكننا الحديث عن هذا الأمر، وجب علينا أن نقف عند تحديد من هو الرجل السياسي .. فحسب التعاريف الكثيرة، آثرت أن أنقل ذلك الذي يعرفه بأنه ” الشخص الذي يشارك في التأثير على الجمهور من خلال التأثير على صنع القرار السياسي أو الشخص، الذي يؤثر على الطريقة التي تحكم المجتمع من خلال فهم السلطة السياسية ودينامية الجماعة ” .. وحسب هذا التعريف، يمكن أن نخلص إلى أن هذا الشخص غالبا ما يحتل مناصب القرار في الحكومة التي ينتمي إليها، وذلك من خلال الانتخابات، سواء النزيهة أو من خلال التزوير والتدليس، وقد يصل إلى مناصب القرار في الدولة من خلال التعيين، وفي بعض البلدان قد يكون الحل هو الانقلاب.
وإذا كان هذا هو الرجل السياسي، فالسياسة هي طريقة التعامل مع المجتمع من خلال مجموعة من الميكانيزمات التي يستعملها السياسي لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بطريقة صحيحة، وذلك بسن قرارات وقوانين تخدم المجتمع.
ولا غلو في القول إذا قلنا إن هذا النوع من السياسيين والسياسة، قاب قوسين أو أدنى من الانقراض .. إذ، تطالعنا البرامج السياسية بمجموعة من الإصلاحات والقرارات والوعود التي تبقى مجرد حبر على ورق، لا قابلية لها للتطبيق، لتعلو سيادة المال والمصلحة الخاصة، وتُهجرُ المناطق التي كانت بالأمس مرتعا للمرشح يفرد فيها جناحيه ورؤاه وتطلعاته، ويبني الجسور في مناطق لا وديان فيها، ويبيع للناس الوهم والسراب .. قد يكون وباء كورونا الذي أراد به اللـه كشف المستور، لإعادة الناس إلى وعيهم ورشدهم، (وكما هو شائع، رب ضارة نافعة)، فكم من دروب أُعيد تأهيلها من طرف شباب لطالما قيل عنهم أنهم تافهون ولا نفع فيهم .. ولكن، فيروس كورونا أبان عن الجانب الخفي فيهم .. إذ، شمروا على سواعدهم وقاموا بما لم يقم به المنتخبون ورجالات السياسة، الذين تحدثنا عنهم أعلاه، وكانوا العون والسند لرجال السلطة وهم يقومون بأعمالهم في ظل هذه الجائحة،
في الحقيقة، فقد كان الفضل لهذا الفيروس أن أظهر لا للمغرب فقط، وإنما للعالم أجمع أن التعليم والصحة هم الأسس والدعامات التي يمكن الاعتماد عليها لتقدم المجتمعات ورقيها، ففي اللحظة التي اختفى فيها السياسي وقف الطبيب والأستاذ والباحث ورجال النظافة في الواجهة، يقاومون .. يعقمون ويبحثون عن اللقاحات والاختراعات للتصدي لهذا الوباء الفتاك .. ناهيك على أنهم -السياسيون- آثروا الاحتفاظ بتعويضاتهم وعلاواتهم .. فرحين بما أتاهم اللـه من فضله، -اللهم لا حسد- في حين هناك مواطنون أصبحوا تحت رحمة الفقر والبطالة، ولولا القرارات الرشيدة لصاحب الجلالة مولانا محمد السادس، حفظه اللـه، الذي أعطى أوامره السامية من أجل خلق صندوق كورونا للتخفيف من معاناة رعاياه، لكان الأمر أكثر سوءا.
بعد المبادرة الملكية السامية، استبشر المواطن خيرا، وعلت الابتسامة محياه .. لكن، سرعان ما تسرب إلى نفسه شيء من اليأس، بعد أن بدأ الارتجال الفوضوي، وعدم القدرة على اطمئنان الناس و توضح لهم ما كانوا ينتظرونه من الجهات المختصة.
اخلص إلى القول أن هذا الوباء ربما كان لنا درسا وفرصة ثانية لمحاولة مراجعة أنفسنا من أجل خدمة هذا البلد و الرفع به إلى مصاف الدول المتقدمة، لأنه أبان عن قوة وقدرة رجالاته على النهوض والاستمرار في المحافظة على المكتسبات التي تحققت خلال هذه المرحلة بالذات، حيث أصبح المغرب محط أنظار العالم، لا من حيث احتوائه للوضع .. ولكن، من حيث تحويله لمجموعة من الصناعات المختلفة، أو ما بات يعرف بالكمامات وتصديرها للعالم. “