ذ. عبد اللـه عزوزي
في حالات و مجالات عديدة لا نحتاج إلى معدات كثيرة و لا إلى لوجستيك معقد، و لا حتى إلى الكثير من الوقت، لكي نسعد الناس، أو على الأقل تسهيل ظروف عيشهم أو، بعبارة أقرب إلى ما أريد التعبير عنه في هذا المقال، إلى إنصافهم و تمكينهم (empowering them).
خلي بالك معي
يلتحق الموظفون بسوق الشغل ( 75 إلى 80 بالمائة منه في الوظيفة –مجرد وظيفة– عمومية، تتمحور حول القيام بدور معين، غيرُ منتج للثروة تلقائيا، بل ربما مُدمرٌ لها)، و هم في عمر الزهور .. عمر تمتد على مدى أفق بصره تحديات جمة، أهمها ضمان سكن (مُشتَرى أو مُكْتَرى)، و توفير حاجياته، و تأسيس أسرة، التي تكبر معها المتطلبات و تتوسع .. أو اقتناء مركبة، و على مدى هذا المسار تعترض صحة الموظف البدنية و النفسية مطبات كثيرة تُغذّيها بيئة العمل و الوسط الاجتماعي، و روتين الحياة، و تزداد حدتها مع الابتعاد التدريجي من يوم دخول سوق الشغل و الاقتراب من موعد التقاعد .. لكن، ما أصبحنا نلاحظه هو أن عددا غير قليل من الموظفين المغاربة يقررون في لحظة ما من حياتهم أن يستسلموا للمرض أو للضغوطات الاجتماعية (ذات الطبيعة المالية غالبا) و المهنية التي يظلون يتجرعون مرارتها في قرارة أنفسهم، و من وراء ابتسامات اضطرارية، أو نكت مصطنعة، قبل أن يقرروا مفاجأة الرأي العام أو المحيط الاجتماعي بقرارات الانتحار، أو الموت المفاجئ، بينما يكون الموظف يسلك هذا النفق (كيفما اعتبرتموه، ساطع الأضواء أو مظلما)، تكون الدولة (الوزارة/المشغل) تعده بجزرة في آخره، و بالضبط عندما تتيقن أن قد “وهن العظم منه و بلغ من الكبر عتيا” .. أما تلك الجزرة فما هي سوى تركيبة كيميائية للضرائب التي يتم تقطيرها من عرق الموظف/العامل طيلة ثلاث أو أربع حقَب من الزمن.
السؤال المطروح الآن هو، أين يكون ذلك المشغل عندما يحتاج الموظف إلى غلاف (ظرف) مالي لمَّا يجد نفسه مضطراً لإتمام ثمن شقة، أو أداء فاتورة دواء، أو إكمال الضمانات المالية التي تشترطها السفارات أو القنصليات على ابنه/ابنته ليرسله للدراسة بالخارج، أو تزويج أحدهما، أو إعداد عقيقة مولود جديد تليق بحجم الفرحة بالوافد الجديد، أو حتى الاستمتاع بإجازة تليق كذلك بشعار “أجمل بلد في العالم” ..؟
ألا يُترك الموظف وجها لوجه مع هذه الضغوطات، و ما يترتب عن السعي لمواجهتها من مشاكل اجتماعية و قيميَّة، كالتفكك الأسري، و الرشوة، و النصب، و انتحال الصفة، و التحايل، إلخ …؟
الحل
لماذا لا تفكر الدولة في أن تجعل من استرجاع الضرائب (أو مدخرات صندوق التقاعد) شأناً سنويا، بدل أن يكون “عُمْريا”، إن جاز التعبير، قد يدرك الموظف لحظته و قد لا يدركها ..؟ ما المانع مثلا، من أن ترجع الدولة/أو تمنح للموظف، كل عام– في يناير أو ماي مثلا– على الأقل 50 % مما اقتطعته له طيلة السنة المالية المنصرمة ..؟
فَمنَ المُرَجح أن يُشكل توصل الموظف، و هو في صلب ضائقة مالية، بمبلغ مالي (حسب الأقدمية و المنصب) فرَجاً ما بعده فرَج (لا أقله شراء أضحية العيد، بدل الاقتراض لاقتنائها)، و أن يكون لهذه العملية البسيطة وقعٌ عميق على صناعة تغيير اجتماعي و تخليق المجتمع الذي ورث القوانين عن فرنسا الاستعمارية و لم تُعطَ لهُ الفرصة بعد لسن قوانينه و تملك ناصيتها.
ثم أختم بهذا .. الموظف يحتاج مدخراته بينما قلبه و ضميره يَنْبُضان بالحياة، و حري بالدولة أن تتبنى هذه السياسة و تحتفظ للموظف بأجرة تساوي أول راتب تقاضاه يوم التحق بالعمل، على أن تحيله على المعاش و هو محاط بأبناء و أحفاد، لهم وظائفهم و مشاريعهم، و مستعدون للإنفاق عليه ريثما يرده اللـه إليه ردّاً جميلا، على أن يكون بينهم شيخاً مُقعداً/متقاعداً و في جيبه راتب بقيمة ثلاثة أضعاف أجرته الأولى.
زر الذهاب إلى الأعلى