ذ. عبد اللـه عزوزي
ماذا يجني المعاندون-بل المعارضون- لتطلعات المغاربة في بلد متقدم متحد آمن و متضامن ..؟ ما هذه السادية التي تتلذذ بمعاناة و عذابات غالبية المواطنين ..؟ لكن، من يكونوا هؤلاء المغاربة ..؟ أليسوا هم نحن “الجماعية” ..؟ أليس هم هؤلاء “المواطنون” الذين يسكنون نفس المدن، و يتبادلون معنا نفس النقود، و يتكلمون نفس اللهجة، و ينزعون أحذيتهم عند مدخل نفس المساجد، و يقاطعون العمل أيام السبت و الأحد على وجه الخصوص، و يحتفلون بعطل نفس الأعياد الدينية و الوطنية، و إن كانوا يفعلون ذلك بحس أقل وطنية و بنفاق أكثر بروزاً و حربائية ..؟
هل الفاسدون فرحون بما في حوزتهم ..؟ هل يعتقدون أنهم أبطال في وجه المغاربة ..؟ ألم ينتبهوا بعد أنه في غياب من يتصدى لهم و يحاسبهم، فإن تعاقب الليل و النهار عليهم لا شك سينهك أجسادهم و يوهنها و يضعف مقاومتها، و أن دوام الحال من المحال .. فليتقوا الله في الوطن و في الأجيال التي ستخلفهم، و لا شك، مستقبلاً.
هل يدركُ ناهبو الوطن أنهم و إن علوا بأملاكهم و ضيعاتهم و أموالهم، فإن ترتيبهم حتماً في ذيل قائمة التعساء، و الجاهلين و المحرومين .. غالبيتهم، لم يغادروا قراهم و مدنهم و وطنهم، لقد أطفأ الفساد نور الشمس عن عالمهم و تركهم كالنمل الصياد الذي يعيش على ما تخلفه الجوارح من جيف .. طبيعي أن تشكل عائدات فسادهم سقف طموحهم و مبلغ علمهم .. هم ليسوا معنيين بأن يفتحوا عيونهم على جمالية الأنفاق و الجسور و المطارات و الجامعات، و الإدارات و المؤسسات، و الشركات و الحدائق، و محطات الفضاء، و الكواكب الأخرى غير كوكبنا الأرضي، و أعماق المحيطات، و الأنظمة الاجتماعية و القوانين الوطنية و قيمة الرأسمال البشري .. ربما لو سنحت لهم الفرصة ليفتحوا بصرهم على هذه النعم البديلة لَستيقظوا من غفلتهم و لراجعوا عقائدهم.
كُلْفَتُهم – أي الفاسدون- على الدولة مُكَلّفة جداً جداً، و هي أكبر مما تنفقه الدولة على أكثر القطاعات الحيوية في الوطن مجتمعةً .. لقد ظل الفساد النافذة الوحيدة التي يتسلل منها خصوم وحدة المغرب الترابية: وجود وطن خالي من الفاسدين كان سيكون أكبر صمام أمان لأمنه و وحدته، بحيث كان سيكون نقطة جذب لكل مُنْتَسبيه من مُخْتَلف الأعراق، و سيجدون فيه فرصة لتحقيق طموحاتهم و آمالهم في الرقي و التميز و الابتكار و المساهمة في البناء.
طبعاً، لا يمكن للفساد أن يُحارَب .. و بالتالي، أن يوضع قطار البناء و التنمية على سكته التصحيحة، إلا بتبني خيار ديمقراطي صحيح .. قوي .. أصيل و متجدر.
لقد نجح الفساد – و بما لا يدع مجالا للشك- في شيء واحد: لقد نجح في توفير بيئة خصبة للصراع داخل المجتمع .. تقول باحثة أنجليزية، تسمى إلينور كوردن، و هي تتحدث عن سبل الوقاية من الصراع، أنه يجب “التصدي للتخلف، الفقر، غياب المحاسبة (هشاشة القوانين)، ضعف الحكامة، الجريمة و الفساد، التدهور البيئي، و انتهاكات حقوق الإنسان- من بين أولويات مهمة أخرى”، و هي أوصاف تنطبق على كل بلدان العالم الثالث التي يكبل نهضتها الفساد، كما يكبل السرطان الأبدان.