حتى تظل السلطة في الولايات والأقاليم والعمالات في خدمة المشروعية الدستورية والمؤسساتية
في الوقت الذي يعلن صاحب الجلالة، الملك محمد السادس حفظه اللـه، من حين لآخر، بأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وبما أن الانتقال الديمقراطي يقتضي حماس المسؤولين في تنفيذ وترجمة الأهداف التنموية والتحررية والديمقراطية على جميع المستويات لاسترجاع ثقة المواطنين، ومن أن دخول المغرب إلى نادي الدول الصاعدة، أصبح يفرض تحول سلوك وتفكير المسؤولين في القيام بمهامهم وفق هذه التحولات الجديدة .. لكن، لا يزال بعض رجال السلطة خارج هذا الزمن المغربي الجديد، ويحاولون عبثا وقف عجلات الإصلاحات وتطور وتكريس المجتمع الديمقراطي الحداثي، الذي تؤثته الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني.
لن ننسى الأشخاص من هذا الصنف الذي يعارض توجهات الدولة والمجتمع، والحفاظ على زمن القهر والقمع والعداء للعمل الحزبي والنقابي والمدني، في هذا الظرف الذي انتهت فيه وصاية الدولة على نشاط الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني، من خلال التزام السلطات العمومية على تسهيل المساطر الإدارية في حصول الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني على وصولات الإيداع المتعلقة باجتماعاتها، التي يحضرها ممثلو هذه السلطات، وقد فعلت الوزارة الوصية مشكورة خيرا بتقديم مشروع قانون تبسيط هذه المساطر المعرقلة لمصالح المواطنين والمقاولين والمؤسسات الحزبية والنقابية والمدنية، والتي أصبحت تمول أنشطتها حتى تتمكن من النجاح في المجال التأطيري والتنويري للمواطنين .. ونعتقد في المستقلة بريس، لسان حال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن وزارة الداخلية معنية بهذا الموضوع المرتبط بالشأن العام السياسي والدستوري والحقوقي، حتى يلتزم المهووسون بالتحكم واستعراض القوة والوصاية على الحريات العامة بالمسؤوليات القانونية المحددة لهم في العمالات والجهات والجماعات.
إن رجال السلطة اليوم، معنيون بمساعدة الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني على القيام بمهامهم الدستورية، والتخلي عن سياسة الوصاية على هذه المنظمات المعنية بتأطير وتنوير المواطنين، وتعزيز الاستقرار ورفع التعبئة الوطنية، وتعزيز ثقة المواطنين في القوانين المحددة للعلاقات بين المواطنين وجميع السلطات، خاصة علاقة هذه الأخيرة بالأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، التي مكنها الدستور من تمثيل المواطنين والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وحمايتهم من أي ظلم أو استعمال للقانون، كالذي يترجمه بعض رجال السلطة في تدخلهم في الشأن الداخلي لهذه الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، ومحاولة الوصاية على سلوكاتهم ومواقفهم وقراراتهم المرتبطة بقوانينهم الأساسية والداخلية الصرفة، في الوقت الذي انتهت فيه هذه الوصاية من قبل الدولة بكافة أجهزتها العمومية.
نحن في موضوع العلاقات مع السلطات، لا نتحدث عن الاختصاصات الممنوحة لها في احترام القوانين والرموز والمؤسسات التي يجب الالتزام بها من قبل هذه المنظمات، التي تعمل في إطار المشروعية الدستورية، أو خروجها عن الحدود المخصصة لهذه المؤسسات للمساهمة الفعالة في بناء الوطن، وتحقيق رفاهية مجتمعه الذي يتطلع إلى أن يكون أكثر عدلا ومساواة ومنافسته جيرانه فيها بنفس الروح والفعالية والالتزام والحرية والتقدم الذي يعيشه الجيران.
ليس بإمكان رجال السلطة، تجاهل المشروعية الدستورية والمؤسساتية في الوطن، وكل من يحاول الإقدام على السلوكات التي تشوه هذه المشروعية الجديدة، سيكون من الطابور الخامس المضاد للشرعية والواقع الدستوري السائد الآن .. وبالتالي، هو من بقايا العهد البائد، الذي كان يتميز بالحظر الفعلي لممارسة الحريات المدنية الحزبية والنقابية والمدنية .. ونظن أيضا، أن الوزارة الوصية تعرف عن قرب طبيعة أداء النقابات والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني المهني والمطلبي والتنويري .. ولمن لا يعرف ذلك من رجال السلطة، يمكنه متابعة ذلك بالمشهد النقابي والحزبي والمدني في الوطن.