الرأسمالية المعولمة والعبث بالقيم والقوانين الإنسانية والدولية
بقدر ما تمكنت الرأسمالية في ظل نسختها الجديدة المتقدمة التي تقودها رأسمالية السوق الحرة من تحفيظ نسبة الفقر في العالم من 2 مليار إلى 720 مليون نسمة، بقدر ما عمقت الفجوة بين الأغنياء والفقراء من 90 % و 10 % من الفقراء، وهذا الوضع الغير الطبيعي بين محاسنها ومساوئها يطرح أكثر من علامة استفهام حول هذا التناقض الذي يقوي حجم العجز والدمار الذي خلفه على النسيج الاجتماعي العالمي، الذي لا يزال يقدم أرقامه المخيفة، خاصة في اقتصاديات الدول النامية التي تعيش على تطبيقات نظامها الاقتصادي السيئ الذكر.
إن رأسمالية السوق التي بدأت نشأتها مع التجارية الاستعمارية في القرن 18، أضحت اليوم أخطر تحدي حضاري قاتل بالنسبة للمجتمع الإنساني المعاصر، فبعد أن كانت مصدرا مربحا بالنسبة للمقامرين الباحثين عن موارد الطاقة والموارد الدولية والأراضي الصالحة للزراعة التسويقية، أصبحت بعد الحربين العالميتين ونهاية الحرب الباردة مع أنصار الاتحاد السوفياتي، وتراجع ميزان القوى لصالح الدول الرأسمالية الصناعية الفنية، تحولت إلى نقمة بالنسبة لشعوب العالم الثالث من خلال استنزاف ثرواتها المعدنية والزراعية واستغلال يدها العاملة الرخيصة، والهيمنة على أسواقها التجارية، كما أضحت إيديولوجية هذه الرأسمالية المعولمة وسياسة النيوليبرالية الاستعمارية كما تتجلى في نشاط الشركات العالمية المتعددة الجنسية التي ورثتها عن الشركات الاستعمارية التاريخية البريطانية والهولندية والفرنسية والألمانية أثناء فترة التجارة الاستعمارية التاريخية.
لم تتطور الرأسمالية في نمطها الإنتاجي الحضاري إلى ما يقوي عناصرها الاستهلاكية والعقلانية، بل كان تطورها فوضويا وعبثيا وضد القيم والقوانين الإنسانية التي تكفل العدالة والحرية والتطور الطبيعي للمجتمع الإنساني، الذي لا تزال جغرافيته محصورة في دول المركز التي تملك هذه الرأسمالية الحرة الغربية في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وجنوب شرق آسيا، وكل المناطق التي نهجت و وضعت نظامها الاقتصادي على مبادئ وقوانين هذه الرأسمالية في مختلف قارات العالم اليوم، وما يوضح هذه العبثية في سلوك الرأسمالية المعولمة في شخص رأسمالية السوق الحرة، هو هذا الارتفاع الصاروخي في نتائج سيطرتها على المجتمع الإنساني من خلال الأمراض الكبرى التي يواجهها في تسويق المخدرات والفساد المالي والسياسي والحروب، وانهيار التوازن الطبيعي والانفلات الأمني والأخلاقي والتفكك الاجتماع.
لسوء حظ المجتمع الإنساني، أنه لم يستفد من تقدمه التقني والثقافي والسياسي في النهوض بعلاقاته الاجتماعية التي ترتفع قاعدتها من الفقراء والعاطلين والمعوقين وضحايا الأمراض المزمنة، والمهاجرين واللاجئين .. خصوصا، في المجتمعات المستهدفة من مساوئ هذه الرأسمالية المعولمة في العالم الثالث، التي تتزعمها أمريكا دون حسيب أو رقيب، أوخوف من المنظمات الدولية والأممية التي أصبحت تتحكم فيها بقوتها.