حاورته / ذ. خولة خمري
بداية: كيف يقدم الخبير الاقتصادي مخلد حمزة جدوع الشمري نفسه لقراء جريدة المستقلة بريس ..؟
* اسمي مخلد حمزة جدوع الشمري، من مواليد سنة 1982، حاصل على بكالوريوس علوم إدارة الأعمال فرع إدارة المصارف من جامعة بغداد عام 2005، وحاصل على شهادة ماجستير في المصارف من جامعة بغداد عام 2012، و شهادة الدكتوراه المهنية بإدارة الأعمال من جامعة كوماندوز الأمريكية للتدريب 2019، أعمل حاليا تدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد، وتم تعييني في الجامعة على قناة الطلبة الخريجين الأوائل في عام 2007، وأيضا عضو في البورد الأمريكي الكندي للتدريب الاحترافي، وعضو في المركز العراقي الأوربي للتنمية والتطوير، وعضو في المجموعة العربية من أجل السلام والتعايش السلمي .. شاركت في العديد من المؤتمرات المحلية والدولية، كذلك لي العديد من المؤلفات كتب ودراسات، وساهمت بنشر دراسات بحثية في مجلات محلية وعالمية في (العراق, وتركيا, وباكستان, وبرطانيا, وفنزويلا, وكندا) .
برأيك ما الذي يميز البنوك الإسلامية ويجعلها تنمو عالميا رغم الأزمات الاقتصادية التي تضرب كبرى الشركات العالمية كل فترة وأخرى ..؟.
* ان استبعاد الفائـدة مـن معامـلاته مدعـاة لتسميته بمصرف لاربوي (Interest free Bank)، ويمكن تعريفه بالمصرف الإسلامي هو المؤسسة التي تمارس الأعمال المصرفية مع التزامها بتجنب التعامل بالفوائد أخذاً او عطاءً، وبالابتعاد عن أي عمل آخر مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، وهنا نجد ركناً جديداً مضافاً لعمل المصرف الإسلامي إلى جانب ركن عدم التعامل بالربا ألا وهو الابتعاد عن أي عمل مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية من خلال عدم التمويل والاستثمار بالمشاريع المحرمة شرعاً كالملاهي والنوادي الليليه وشركات صناعة وتسويق المشروبات الروحية، ومع ذلك فإن هذا التعريف لايعكس الصورة الكاملة الحية لحقيقة المصرف الإسلامي من خلال تجاهله سمة أساسية في عمل المصارف الإسلامية، ألا وهي المسؤولية الاجتماعية، لذا جاء التعريف الآخر الأتي ليعطي دلالة أكبر على ماهية هذه المؤسسة، ويتجاوز المآخذ التي وردت على التعريف السابق بان (المصارف الإسلامية) هي مؤسسات مالية مصرفية لتجميع الأموال وتوظيفها على وفق أحكام الشريعة الإسلامية بما يخدم مجتمع التكافل الإسلامي وتحقيق العدالة بالتوزيع، مع الالتزام بعدم التعامل بالفائدة الربوية آخذا او إعطاءً وباجتناب أي عمل مخالف لأحكام الإسلام، وتتجسد المسؤولية الاجتماعية للمصرف الإسلامي من خلال إخراج الزكاة عن أمواله وأموال مودعيه طالما بلغت النصاب وحال عليها الحول وبالنسب التي يقرها الشرع الإسلامي، وتمنح للمحتاجين كذلك لتطبيق أهداف غير اقتصادية منها عقائدية وأخلاقية تفتقدها المصارف التقليدية التي تحكمها معايير اقتصادية بحتة، هدفها تعظيم الربح فقط، ولعل القرض الحسن الذي يعطى لأشخاص محتاجين بلا فائدة ولا حتى مشاركة للمصرف معه بالربح يعكس مدى مراعاة المصارف الإسلامية للمسؤولية الاجتماعية، لانه يعطى لحاجات اجتماعية وإنسانية كحالات المرض والزواج والدراسة، وكذلك مساعدة صغار الحرفيين والمنتجين في مشاريعهم، كذلك أن اهتمام المجتمع الدولي وحتى الغرب بالمصارف الإسلامية هي عدم تاثرها بلازمات المالية التي حدثت في فترات متفاوتة.
ماذا عن ثقافة التسوق الإلكتروني التي انتشرت بسرعة كبيرة، خاصة لدى الشباب العربي الذي أصبح يتوجه لهذا النوع من العمل بشكل كبير ..؟
* يعد التسويق الالكتروني أحد أهم المفاهيم الأساسية المعاصرة الذي استطاع وخلال بداية الألفية الثالثة من أن يقفز بمجمل الجهود والأعمال التسويقية وبمختلف الأنشطة إلى اتجاهات معاصرة تتماشى مع العصر الحالي ومتغيراته، وذلك من خلال الاستعانة بمختلف الأدوات والوسائل المتطورة والتكنولوجيا الحديثة في تنفيذ العمليات والأنشطة التسويقية، خاصة فيما يتعلق بالاتصالات التسويقية وتكنولوجيا المعلومات وتقديم المنتجات وإتمام العمليات التسويقية عبر وسائل متعددة .. يأتي في مقدمتها تسويق الخدمات إلى مختلف الأطراف عبر تلك الوسائل، وأن الشباب العربي شباب واعي ومثقف متمكن من التعامل مع معطيات العصر التكنولجية، ساعد ذلك على انتشار ثقافة التسويق عبر الانترنت لكونة أكثر فاعلية ومصداقية من حيث الحصول على المنتجات والخدمات من المصدر مباشرة بدون المرور بسلسة وسطاء .
ما أبرز الأسباب برأيك وما الذي تقدمه لهم من نصائح من أجل النجاح بهذا المجال ..؟
* يمكن أجمل الأسباب التي أدت إلى اتساع قاعدة التعامل بالتسويق الإلكتروني بالآتي:
1- اختصار العقبات الجغرافية بين مناطق العالم المختلفة، إذ لا وجود للحدود في التسويق الإلكتروني.
2- إقامة علاقات تعاقدية مباشرة بين البائع والمشتري، ومن شأن ذلك وغيره تخفيض الكلف قياساً بالعمليات التسويقية التقليدية .
3- أنها تتيح الفرص أمام الطرفين من خلال الكم الهائل من المعلومات المتعلقة بذات الموضوع المطروح بينهما للتعاقد على وفق أحدث الأسعار والشروط.
أنصح الشباب العربي بصناعة فرص العمل من خلال توظيف التكنلوجيا من خلال فتح قنوات تسويقية إكترونية، وعمل دور الوسيط بين المستهلكين والمنتجين والحصول على قوتهم اليومي.
مع عصر العولمة وانتشار هذه العوالم المفتوحة وعدم ارتباط المتاجر الإلكترونية بوطن معين، كخبير اقتصادي ما التأثيرات الاقتصادية لذلك، وما مدى إيجابية هذا الأمر ..؟
* أنا أرى أن العولمة هي مضرة لاقتصادياتنا كعرب، لأن جعل المنافسة مفتوحة والسوق سوق مفتوح يحدث خلل في التوازن والتكافؤ التنافسي، وبموجبه ستبقى الدول المنتجة هي المصدرة، والمستهلكة هي المستوردة ولا وجود لأي فرصة للبلدان النامية من التقدم وحماية اقتصادها .. الإيجابية الوحيدة هي يمكنك ان تحصل على ما تريد كفرد.
المفكر صمويل هنغتون يحذر الغرب من تبعات اتحاد بلاد العم كنفوشيوس مع بلدان العالم الإسلامي .. كخبير اقتصادي وباحث أكاديمي، عما ينم هذا الخوف الغربي من هذا الاتحاد، وما قراءتكم الاقتصادية لنمو الاقتصاد العربي نتيجة هذا الاتحاد ..؟
* كونفوشيوس: هو أول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي، ففلسفته قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية، وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمثل أخلاقي أعلى، ولقد كانت تعاليمه وفلسفته ذات تاثير عميق في الفكر والحياة الصينية والكورية واليابانية والتايوانية والفيتنامية .. أما البلدان الإسلامية لديها أيضا تقاليد وعادات وأخلاقيات محددة في معالم الدين الإسلامي والأخلاق الحميدة التي أوصى بها نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام .. فالإسلام قوة اقتصادية وعقائدية .. لذا، نرى من الطبيعي أن يحذر المفكر صمويل هنغتون الغرب من تبعات اتحاد بلاد العم كنفوشيوس مع بلدان العالم الإسلامي لأنهم يشكلون قوة خارقة وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية، وستفرض سيطرتها على العالم اجمع لأن الموارد متاحة والفكر موجود.
التعاملات الاقتصادية بين الدول الغربية والعالم الإسلامي مشحونة بالعديد من الرسائل الثقافية التي تعبر عن المركزية الغربية .. برأيكم دكتور مخلد كيف يمكن تجنب تأثيرات تلك المخلفات الثقافية على الذهن العربي ..؟
* قبل الدخول بالتفاصيل ينبغي إيضاح مفهوم المركزية الغربية في جانبيها اللّغوي والاصطلاحي، والمركزيّة هي مصدر الفعل ركز والمركز هو المقر الثابت الذي تتشعّب منه الفروع، والمركزية نظام يقضي بتبعية البلاد لمركز رئيسي واحد، ونقيضها “اللامركزية” وهو النّظام الذي يمنح للأقسام المختلفة نوعاً من الاستقلال المحلي .. والمركزيّة تعني فرض لرؤى المركز واهتماماته وتوظيفها لخدمة مصالحه، والمركزيّة ليست فقط التّمركز على مجالات الثّقافة والقيم، إنما تشمل كل جوانب الحياة من اقتصاد وسياسة وعقائد وغيره .. إذن، يمكن تعريف المركزيّة الغربيّة بأنها “الممارسات التي تركّز على فرض الحضارة والمصالح الغربيّة عموماً في جميع مجالات الحياة على حساب باقي الثّقافات والحضارات والشّعوب، بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة”، والتّمركز الغربي يعتمد على نظامين هما: الغزو العسكري، والغزو المدني، والغزو العسكري المراد به استخدام القوة الحربية لفرض المركز وما يحمله من أجندة .. أما الغزو المدني فهو توظيف التقنيات المدنية الاقتصادية والمالية والسياسية والثقافية والفكرية في التغيير الحضاري، الذي يريد المركز أن يحدثه، وقبل أن تُفرض المصالح الغربية على باقي الحضارات والشعوب، وتحديداً الشعوب الإسلامية، كان عليهم المعرفة التامة بتلك الشعوب، وهي المعرفة التي جعلت حكمهم سهلاً ومجدياً .. فالمعرفة تمنح القوة، ومزيداً من القوة يتطلب مزيداً من المعرفة، فهناك باستمرار حركة جدلية بين المعلومات والسيطرة المتنامية، وهم في مشروعهم يعتمدون على أمرين: المعرفة، والقوة، وكما قال إدوارد سعيد: “التبرير الاستشراقي للسّيادة الاستعمارية قد تم قبل حدوث السّيطرة الاستعمارية على الشرق، وليس بعد حدوثها، فقد كان التراث الاستشراقي بمثابة دليل للاستعمار في شعاب الشرق وأوديته من أجل فرض السيطرة على الشرق وإخضاع شعوبه وإذلالها” .. وهكذا اتجه الاستشراق المتعاون مع الاستعمار إلى إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس المسلمين، وتشكيك المسلمين في معتقداتهم وتراثهم، حتى يتم للاستعمار في النهاية إخضاع المسلمين إخضاعاً تامّاً للثقافة الغربية، فهنا يمكن أن يتسم كل مسلم بما يحملة من صفات وأخلاق لعدم ترك أي أثر لمركزية الغرب على البلدان الإسلامية .. فالحياة الاقتصادية غير الحياة الدينية والاجتماعية .
انتشار الشركات المتعددة الجنسيات أحدث جدلا واسعا بين الاقتصاديين، نظرا لما تسببه من مشاكل، خاصة للدول النامية .. برأيكم ما الذي تقترحه لخلق التنافس لدى الشركات الصغيرة بهذه الدول للحفاظ على اقتصادها من بطش هذه الشركات ..؟.
* المواجهة بالمثل من الممكن أن إنشاء شركات عربية متعددة الأقطار وتلتزم المنافسة وباستراتيجيات تنافسية مماثلة لما تنتهجها الشركات متعددة الجنسيات، وبإمكانات مادية كبيرة، ولا باس بالاستعانة بخبراء الغرب .. ولكن، تحت إمرة الشركة العربية المتعددة، هنا ستكون الشركات العربية قوة ضاربة للشركات متعددة الجنسيات، وستأخذ حصة سوقية كاملة، وعلى أقل تقدير في أسواق البلدان العربية للحفاظ على اقتصاداتها من سطوة شركات المتعددة الجنسيات .
الدول العربية تعيش العديد من الأزمات، سواء الاقتصادية أو السياسية فيما بينها .. ما قراءتكم للأسباب الحقيقية وراء هذا، وهل يمكن القول أن الخلل الأول كامن بالنظام الاقتصادي فقط، أم أن الخلل أبعد من ذلك ..؟.
* الخلل بالنظم السياسية فلكل بلد نظام سياسي حاكم، وكعرب يحبون السلطة ويتمسكون بها على العكس من الغرب الذي يعتبر السلطة هي خدمة المجتمع، كما يتمسك العرب بنظرية (أصحاب المصالح) .. فالبحث عن مصالح كل بلد متفردا الأمر الذي أدى لتفرد كل دولة بآرائها، بناء على مصالحها، بعيدا عن العربية والنظام الاقتصادي يدار من قبل أفرد تبحث عن المصالح منفردة، ولا تبحث في مصالح عامة ومشتركة، الأمر الذي يزيد من الازمات والانقسامات بين الدول العربية متى ما اجتمعت الدول العربية واتفقت على حل الأزمات ومن زوايا متعددة .. ومن منطلق المصلحة المشتركة، وبكل شفافية لن تكون هناك أزمة تمر مرور الكرام، ستكون هناك منهجية لمواجهة هذه الأزمات وبكل قوة ودافعية.
ما السبل والوسائل الكفيلة التي تراها مناسبة لحل هذه الأزمات التي يتخبط فيها العالم العربي، خاصة بعد ما سمي بثورات الربيع العربي ..؟.
* أي ربيع عربي هذا، وماذا قدم الربيع العربي ..؟ لم نر من الربيع العربي غير الدماء والأيتام والقتل والتهجير .. أنا أرى وحسب تصوري الشخصي أن نتعب على الأجيال القادمة ونعدها إعدادا جيدا وننتج جيلا متعلما فوق كل الاعتبارات السياسية والعرقية والمناطقية، متى ما أنتج هذا الجيل سيكون للمجتمعات العربية وقفة مع التاريخ وقفزة إلى القمة والعمل بمهنية واحترافية .
دكتور في نهاية حوارنا هذا، ماهو تصوركم لواقع الدول العربية بعد 50 سنة بالتقريب، سواء من الناحية المعرفية أو الاقتصادية أوالسياسية ..؟
* نحن كعرب وللأسف مستهلكين وليس منتجين، وأن واقع المجتمعات العربية يشوبه الكثير من القلق والفوبيا من المجهول، نتيجة لما هو موجود في أرض الواقع الآن من خراب للبنى التحتية ودمار للفكر وتدمير الآخر وزرع التفرقة، وكثرة المسميات، وعلى العكس ما كان عليه العرب، فإن تاريخ الأمة العربية زاخر بالأمجاد وسطر التاريخ ملاحم العرب .. أما الآن، ماذا سيكتب التاريخ، خراب البلدان العربية خراب الفكر والعقيدة .. أما من الناحية المعرفية فهناك فجوة كبيرة، وأتوقع أن هذه الفجوة تزداد مستقبلا، ستبقى المجتمعات العربية مقلدة للغرب بكل ما يحتوي من أخلاقيات وثقافات غريبة لا تتناسب مع أعراف وقيم مجتمعاتنا، وندعو اللـه عز وجل أن لا يحدث ذلك، وأن يأتي للمجتمعات العربية جيل يقفز بكل ما لديه من معرفة وقيم واللـه على كل شي قدير .. أما من الناحية السياسية والاقتصادية : ستبقى البلدان العربية مستهلكة ومستوردة لما ينتجه الغرب لعدم وجود البديل، ولن تتشكل أي قوى سياسية أو تكتل اقتصادي عربي قوي مثل الاتحاد الأوربي، وستكون الخريطة السياسية بأيدي القوى العالمية تبعا لمصالحها في المنطقة.
كلمة أخيرة تقدمها لقراي المستقلة بريس وللمتتبعين من الأكاديميين والشباب ومختلف أصناف المجتمع بالوطن العربي ..؟
* كلمتي الأخيرة أوجهها لكل أفراد المجتمع العربي بجميع أطيافه، لكي يكون لمجتمعنا قوة وقدرة على أخذ قرارات مصيرية باستقلالية تامة، وهذا لا يأتي إلا بعمل دؤوب من كل أفراد المجتمع وكلا حسب موقعة، والاستناد إلى التخطيط العلمي المنهجي، وأن نعطي للبحث والتطوير أهمية قصوى لكي يزدهر المجتمع ببراءات اختراع ودراسات مستقبلية لمواجهة التحديات والمشاكل التي تواجهها بلداننا العربية.
* إعلامية جزائرية