الحراك الشعبي الجزائري والسوداني وخارطة الطريق التي لا تزال تراوح مكانها ..!
حتى وإن كان تحرك الشعبان الجزائري والسوداني متأخرا عن فعاليات الربيع الديمقراطي العربي، فإن ذلك لم يمنع رياح التغيير من أن تصل إليهما، وتفرض عليهما الخروج إلى الشارع للمطالبة بدمقرطة النظام السياسي، وتكريس العدالة والحرية في أنظمتهما الاقتصادية والاجتماعية اللتين ظلتا خارج التحولات التي شهدتها المنطقة العربية، والتي عصفت بالأسباب التي كانت تحول دون هذا الحراك الشعبي الذي يطالب بنهاية الاستبداد والفساد اللذين عمرا طويلا في هذين البلدين.
على ضوء خطوات الحراك الشعبي الراهن في الجزائر والسودان، لا يمكن الحسم في النتائج المرتقبة، في ظل تباين المواقف المعبر عنها في الحراك الشعبي في البلدين فالأسباب التي اضطرت الشعب الجزائري للخروج ضد العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة ليست هي نفس الأسباب التي خرج من أجلها السودانيون ضد الرئيس البشير، بالرغم من أن كليهما أرادا خلخلة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تضمن بتفعيل الاختيارات الديمقراطية والتحررية التي هيمنت على الربيع العربي مؤخرا .. وإلى الآن، لا زال مصير هذا الحراك الشعبي في البلدين معلقا من خلال رفض الأنظمة الحاكمة لمطالب الشعبين، المتعلقة بالمرحلة الانتقالية، والاستجابة للمطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي لم يكن حولها الاتفاق بين القيادات الفردية التي تتحكم في مسار الأحداث الجارية في الجزائر والسودان، لأنها لا زالت حبلى، ويمكن أن ينتج عنها ما لا يمكن التكهن به على ضوء الاحتمالات المتوقعة، وإن كان وضع القطيعة مع الأنظمة السابقة هو المطلب الوحيد المشترك بينهما في الظرف الراهن .. أما القوى التي ستقود الحكم والاقتصاد والمجتمع في البلدين فلا يزال الغموض يهيمن عليها، نظرا لانعدام التوافق والتضامن بين القوى المساهمة في الحراك الشعبي في البلدين، وثقل التحديات المفروضة التي توجت الرهان على المصالح العليا للشعبين، وتحسين المطالب الحزبية والفئوية الضيقة التي قد تذمر روح المقاومة والتغيير .. خصوصا، في السودان الذي لم تتضح فيه الآن النوايا الحقيقة لجميع الأطراف المشاركة في الحراك الشعبي .
في الجزائر، لا يزال الحراك بدون قيادة وبدون رؤيا واضحة تشير إلى الأولويات والأهداف لتجاوز الأزمة التي خلقتها قضية العهدة الرئاسية الجديدة، التي كان يرغب فيها بوتفليقة، كما أن الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني لم يواكبوا الحراك بما يحدد خطوات تجاوز أسباب الحراك الشعبي الذي يطالب برحيل رموز النظام السابق، وإجراء الحوار المجتمعي حول هوية الدولة المدنية والديمقراطية التي يتطلع إليها الشعب الجزائري، في ظل المرجعية الدستورية الحالية، التي طالب الجيش باحترامها في تحقيق الانتقال، وإجراء الانتخابات الرئاسية .. أما في السودان، فلم يتوفق إعلان الحرية والتغيير في التوافق مع المجلس العسكري الذي أطاح بنظام البشير على من ستكون عليه الدولة المدنية وطبيعة الفترة الانتقالية، رغم إرادة الجانبين في تجاوز النقط الخلافية، والشروع في تنفيذ شروط المرحلة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية، مما يؤكد استحالة التوافق بدون تنازلات من الجانبين في الفترة الراهنة.
نتمنى في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن يؤدي الحراك في الجزائر والسودان إلى ترجمة مطالب الشعبين، وأن يكون هذا الحراك الشعبي أقل مفعولا في نتائجه السلبية التي تخيم اليوم على الواقع الراهن في البلدين، وأن لا تستهدفه القوى المضادة للتغيير التي تتحين الفرص، كما وقع في الدول التي عاشت الحراك الشعبي في المنطقة العربية .. خصوصا، القوى الظلامية المعادية للديمقراطية والتحرر والحداثة والتنمية المستدامة، التي لا زالت تعرقل تحقيق مطالب الحراك الشعبي الذي مرت منه هذه الدول التي تم تجميلها ببهارات الديمقراطية الغربية الأمريكية بامتياز.