عبد الصمد لفضالي
تعليقا على ما سمي ب ” قراءة أخرى في تاريخ أسلمة المغرب في القرن السادس إلى القرن الثامن عشر ، المرتبط بكتاب ” إسلام الأمازيغ ” و ما دار حول ذلك مؤخرا بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من نقاش، كدخول المسلمين إلى المغرب لم يكن فتحا بل كان غزوا عسكريا لا علاقة له بروح الإسلام لما انطوى عليه من قتل للأمازيغ و سبي نسائهم و إهدار كرامتهم، و اندماج الأمازيغ في أمة الإسلام جعلهم ينسون هويتهم، و أن المغرب مكون من أمازيغ على درجات متفاوتة في التعرب و الاستعراب كما جاء في النقاش.
و قبل التساؤل عن الهدف من هذه التصريحات، أتطرق إلى لفظ ” أمازيغ ” و أصل سكان شمال إفريقيا، فلكل قارة خصائص مميزة لسكانها الأصليين، كما أشار إلى ذلك المؤرخ الفرنسي غابرييل كامبس، و انطلاقا من ذلك، فكلمة ” أمازيغ ” كلمة مستحدثة، فالتاريخ ليس بحقيقة مطلقة، فالمنتصر يكتبه علانية و المنهزم يكتبه خفية، و في ذلك تناقض شامل بين الطرفين، و ورث هذا التناقض العرقيون الذين يريدون تمزيغ كل شيء و القوميون الذين يريدون تعريب كل شيء، في حين أن سكان شمال إفريقيا خليط من الأجناس و الأعراق، نتيجة هجرات عديدة بسبب البحث عن الاستقرار و الأمن و التجارة و الغزو، و قبل دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا كان يطلق على الأعراق المكونة لسكان شمال إفريقيا ” بربر ” من طرف الرومان و قبلهم الإغريق الذين كانوا يطلقون هذا الاسم على الشعوب التي لا تخضع لحضاراتهم و سلطتهم، و في هذا السياق، يقول المؤرخ الفرنسي غابرييل كامبس في كتابه ” البربر ذاكرة و هوية ” ص ١١ ” إن علماء الأجناس يؤكدون أن الجماعات البيضاء بشمال إفريقيا، سواء كانت ناطقة بالبربرية أو بالعربية تنحدر في معظمها من جماعات بحرمتوسطية، جاءت من الشرق قبل الألف الثامنة قبل الميلادن و أخذت تنتشر في هدوء بالمغرب العربي و الصحراء “، و يقول المستشرق الألماني أوتو روسلر في كتابه ” النوميديون أصلهم و كتاباتهم و لغاتهم ” أن اللغة النوميدية لغة سامية انفصلت عن اللغات السامية في المشرق في مرحلة غارقة في القدم “، و كذلك أكد الدكتور اللغوي عثمان سعدي الجزائري، أن الأمازيغية لهجة عربية بدليل أن ٩٠ بالمائة من معجم أمازيغية الجزائر و المغرب الأقصى ذات جذور عربية، و أضاف أن هذه الحقيقة أتبتها في كتابه ” معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية “، و هو كتاب يرتكز على ركائز منطقية، و هكذا نستنتج أن علاقة العربية بالأمازيغية علاقة أصالة و ليست علاقة جوار كمثل العلاقة بين الفارسية و العربية، و هذا ما يفسر لماذا لا زال الإيرانيون يتكلمون الفارسية رغم اعتناقهم الإسلام و قربهم من شبه الجزيرة العربية، و لماذا سكان شمال إفريقيا يتكلمون بالعربية رغم بعدهم عن شبه الجزيرة العربية و عدم اعتناق بعضهم للإسلام، و في هذا الإطار، فإن إبن خلدون يرى بأن البربر من نسل مازغ بن كنعان بمعنى أن أصول البربر كنعانية بربرية مشرقية، و قديما قال القديس أغسطيس الجزائري من أصول رومانية بأن البربر كنعانيو الأصل، و يؤيد هذا الطرح الباحث الفلسطيني الدكتور عز الدين المناصرة الذي أرجع الأمازيغيين و كتاباتهم إلى أصول كنعانية، إما فليسطينية أو فينيقية لبنانية ، كما أتفق علماء أخصائيون، من بينهم فقيه اللغات السامية الدكتور أحمد هبو بأن الكتابة البربرية ” تيفيناغ” استوحت مبادئها من الكنعانية الفينيقية، و كذلك الجغرافي يوحنا ليون الإفريقي في كتابه ” وصف إفريقيا ” يقول ” لم يختلف المؤرخون كثيرا، فمنهم من يرى بأن أصل الأفارقة البيض يعود إلى الفلسطينيين، و منهم من يرى بأنهم يرجعون إلى الحميريين باليمن، مما يدل على أنه لا يمكن إقصاء أي عرق من الأعراق المكونة لسكان شمال إفريقيا ( عرب و أمازيغ )، بالإضافة إلى الأفارقة ذوي البشرة السمراء، و رجوعا إلى كلمة أو مصطلح ” أمازيغ ” فإن هذا اللفظ، حل حديثا محل لفظ ” بربر “، نسبة إلى مازغ أحد حفدة نوح عليه السلام، لكن المتطرفين من العرقيين تنكروا لهذا النسب بسبب ارتباطه بالشرق الأوسط و زعموا أن كلمة ” أمازيغ ” تعني الأحرار.
أما ما يتعلق بالهوية، فإن الإسلام يؤثر إيجابا على هوية معتنقيه، فقد أثر الإسلام في عرب شبه الجزيرة العربية، حيث نبذ الوثنية و غير أعراف الإرث و الزواج والطلاق و الرق و غيرها من العادات والتقاليد
هذا ردا تاريخيا على من ينتقون من التاريخ ما يساير تطرفهم العرقي أو القومي، لكن الواقع المعاش هو أن كل من ولد فوق الأراضي المغربية أو يحمل البطاقة الوطنية فهو مواطن كيفما كان عرقه و لونه و معتقده، فالمجتمعات الأوروبية داخل ٢٨ دولة بأعراق و ثقافات مختلفة و لغات متباينة توحدت داخل الاتحاد الأوروبي بعملة واحدة و اقتصاد متناسق و جيش مستقبلي موحد .. فاعتبروا يا أولي الألباب ..!