قد يكون مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي على حق في توجيه انتقاداته اللاذعة لحكومة العثماني التي فشلت في ترميم صفوفها وتجاوز خلافاتها، وفي عرض مشروع ميزانية 2019، الكفيلة بالاستجابة لانتظارات المغاربة التي وصفها بأنها من إنتاج وزارة المالية، وليس من الأغلبية الحكومية التي لم يتجاوز تدخلها توجيه الملاحظات على أبوابها وفصولها فقط، وهذا موقف مقبول لمضيان من موقعه في المعارضة.
الأخطر، هو أن يحاول الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة الرد على الأسئلة التي وجهت له عقب المجلس الحكومي، من أن اختيار الخوصصة بدأته حكومة جطو، وأن تضخم الاستدانة لتطويق العجز في الميزانية فرضته متطلبات إنجاز مشاريع المكاتب الوطنية الاقتصادية الكبرى في السكك الحديدية والفوسفاط والموانئ والطرق السيارة والماء والكهرباء، وأن ارتفاع العجز في الناتج الوطني الخام إلى 65 %، تتم تغطيته من الصادرات التي ترتفع مقابل التخفيض المستمر في الواردات، وأنه لا خوف على مستقبل القرار الاقتصادي السيادي، مهما ارتفعت المديونية التي وصلت إلى أكثر من 668 مليار درهم، بفضل تجاوز الموارد التي تأتي من إلغاء صندوق المقاصة الذي يكلف الحكومة أكثر من أرباحه، التي توجه اليوم إلى ما يحتاجه الوطن في عدة مجالات بمداخيل تتجاوز 5000 مليار سنتيم، في مقابل العجز الذي وصل في صندوق المقاصة إلى 50 مليار درهم سنويا.
ما يثير الشفقة في هجوم مضيان على الحكومة، هو محاولة الركوب على فشلها في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية (محاولة) تلميع تجربة حزبه في حكومة عباس الفاسي وعبد الإله بن كيران التي لم يتحدث أو يشير إلى أخطائها في مقابل فضحه لسوء تدبير الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، أما الناطق الرسمي باسم الحكومة، فالواضح أنه تجاوز تبرير سياسة القروض التي اعتمدتها حكومة عبد الإله بن كيران والمتواصلة في عهد خلفه سعد الدين العثماني، التي يحاول إعفاؤها من مسؤولية الفشل في التدبير المالي والاقتصادي، وادعاء ثقل إرث الحكومات السابقة التي نهجت نفس الأخطاء المرتكبة الخوصصة نموذجا.
إن مضيان في نقده لحكومة العثماني لم يقنع أحدا بما كان يتبناه كحسنات في عهد حكومة الاستقلاليين، وإن كانت الخلافات وسط الأغلبية تحول دون نجاحها في التدبير للشأن العام الذي يترقبه المواطنون، فإن هذا لا يتيح لمضيان والخلفي القدرة على تجميل صورة وأداء حزبيهما اللذين لا يختلف أحد في أنهما تراجعا، ولم يعودا في الطريق بعد أن غيرا بوصلة برنامجيهما نحو ما يعزز مصالح ونفوذ المستفيدين من واقع الوطن الراهن اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا .
إن مضيان، ينحث في السراب لإبراز زمن حزب الاستقلال النضالي الذي لم يعد ممكنا استمراره .. أما الخلفي، فدفاعه عن عدم مسؤولية حزبه عن الخراب الاقتصادي والاجتماعي الراهن هو خير جواب على دفاعه الرخيص .. وإلى حين توقف مضيان والخلفي عن هذا النهج الدعائي المثير للسخرية من قبلهما، نقول من موقعنا في المستقلة بريس، لسان حال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن حزبيهما فقدا الشرعية الجماهيرية التي يمكن لوحدها أن تعبر عن مصداقيتهما المتقدمة أو المتخلفة، وإن موقفيهما الضعيفين لا يمنحاهما الثقة في الاعتقاد بصواب وقوة ملاحظاتهما على مشروع القانون المالي الجديد لهذه الحكومة .. أما الناطق الرسمي للحكومة، فلم يكن موفقا في الدفاع عن السياسة المالية للحكومة الحالية التي كان على وزير المالية أن يقوم بذلك، وأن يظل دوره كناطق باسم الحكومة لتنوير الرأي العام الوطني بطبيعة النقاش الذي تم في اللجنة المعنية بمناقشة الميزانية الجديدة فقط.
