التسامح وفرص التعايش بين الأديان والثقافات بين الواقع والمأمول – تتمة
هذه المداخلة المشتركة، بين ذ. عباس أعومري و ذة. خولة خمري، كانت خلال فعاليات المؤتمر العلمي التاسع، تحت شعار:
النهوض بالبحث العلمي خطوة أساسية في بناء العراق الموحد
ذ. عباس أعومري
ذة. خولة خمري
خاتمة
من خلال ما طرحناه آنفًا في ورقتنا البحثية هذه من إشكاليات وتساؤلات حول أحد أهم إشكاليات الفكر الإسلامي المعاصر التي تشتغل على خطابات قبول الآخر في تراثنا الإسلامي، والتي عمل المفكر ماجد الغرباوي على إيجاد السبل الكفيلة بحلها، وسعيًا منا لإيجاد الحلول المناسبة للوقوف في وجه هذا التسونامي الاستعماري الفكري الجديد إن جاز التعبير الجارف للهويات الدينية والثقافات المتنوعة بوطننا العربي الإسلامي تحت أغطية كثيرة تختزل معادلة الصراع الحضاري العالمي، نطرح في خاتمة مقاربتنا هذه بعض الأفكار والتوصيات التي نرجو أن تسهم في ترميم التصدعات الجاثمة على الخارطة الهوياتية للتنوع الطائفي والديني والثقافي بوطننا العربي، لتحقيق سبل انعتاقنا من مد المركزية الغربية المحرضة على العنف والإرهاب والتكفير و ويلاته، وإرساءً لدعائم سبل تحقيق التعايش الثقافي والديني وفق المنهج الإسلامي الصحيح الذي بينه محمد عمارة، نطرحها في النقاط التالية:
1_ إرساء قواعد التعايش السلمي وتعلم سُبل التّعايش بين الثقافات والأديان المختلفة لن يكون برفع الشعارات الزائفة، وإنما يتحقق ذلك بتضافر جهود جميع الأطراف داخل العالم الإسلامي باستخدام لغة العصر وأدواته في نشر الفكر الإسلامي الوسطي، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، ونشر ما يحث عليه الدين الإسلامي من قيم التسامح والتعايش بين المذاهب، خاصّة في المناهج التعليمية تعليمًا وتربية لهم على إتقان فن حقوق الإنسان، تحت إشراف مختصّين في المجال وليس مجرد درس يتم إلقاؤه وفقط لتنتهي المهمة عند ذلك، فالأمر أكثر من ذلك بكثير.
2_ من الضّروري بعث سبل تجديد الثّقافة العربية خاصّة الخطاب الديني، وتفعيل دوره في الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية بجميع طوائفها، بعيدًا عن جدل التعصب للعرق أو المذهب الخ …، وقوفًا في وجه الخطابات الفلسفية الجديدة المغلفة بقيم الاستشراق ذات الطابع الاستعماري الجديد، وهذا كله تأسيسًا لنوع جديد من الاستشراف المستقبلي لأمة إسلامية جديدة ولدت من رحم الانبعاث الحضاري الإسلامي القويم، بعيدًا عن الصراع الديني المدعم من أطراف خارجية تكن الحقد والكره لكل ما يمت للإسلام بصلة.
3_ لقد أنتجت فلسفة ما بعد الحداثة إنسانا غربيًا ثاناتوسيا، مخربًا للعالم ناسفًا لقيم حقوق الإنسان وشتى أنواع التعايش الثقافي و الديني السلمي القائم على مبدأ قبول الثقافات والأديان، ضاربًا بكل ذلك عرض الحائط، ومرسيًا بدل ذلك مفاهيم جديدة من قبل: الهدم، التشظي، المركزية الغربية، الإسلاموفوبيا إلخ …، ساعية إلى نشر هذه المفاهيم وترسيخها في الأذهان، تحت غطاء وأقنعة مختلفة تختزل معادلة صراع الأديان بمختلف أبعادها.
4_ تعتبر أحداث 11_09_2001 بمثابة النبوءة التي أكدت نظرية صراع الحضارات الهنغتونية والتي اتخذت منها الولايات المتحدة الأمريكية مطية لشحذ الهمم وتفعيل الحراك العالمي ضد الهوية الثقافية الإسلامية، وهو ما جعلها تقرع طبول الحرب معلنة المعركة ضد محور الشر، كما قال جورج بوش آنذاك، لتعلن بعدها عودة ما سمي بالحروب الصليبية من جديد ونتائج ذلك ماثلة أمامنا في كثير من الدول، لعل على رأسها العراق وسوريا حاليًا من انفراط كبير لمد الصراعات الأيديولوجية المفتتة لكيان الدول والناشرة للفتن الطائفية، التي أصبحت تفتك يومًا بعد يوم بقيم التعددية الثقافية للأمة العربية والإسلامية .
5_ فرق كبير بين نظرة الفلسفة الغربية الوضعية في نظرتها لقضية التعددية الثّقافية و وجهة نظر الهدي النبوي الذي بينه محمد عمارة في التأسيس لهذا الحق المشروع، فالقوى الغربية انطلقت من إكراهات حتمتها عليها الشعوب ما اضطرها لوضع ميثاق عالمي لحقوق الإنسان منها حق التعدد الثقافي و الديني، فضلا عن السياسات الاستعمارية في الاتخاذ من هذه الفلسفة مطية للسيطرة على الشعوب، أما الهدي النبوي فقد كان أمرا تلقائيا تلبية لنداء الفطرة، فضلا عن تنفيذ أمر رباني صالح للتطبيق في كل زمان ومكان على اختلاف الثقافات وتنوع الأديان.
6_ العنصرية والتفرقة بين الأديان والشعوب والأعراق والثّقافات في الدول الغربية نابع من فلسفة عنصرية متأصلة في الفكر الغربي بداية بأفلاطون وصولا لفوكوياما وهنغتون وغيرهم الكثير ترى أن الإنسان الغربي أسمى وأعرق ثقافة وأرفع دينا، وهو ما جعل العديد من الفلاسفة الغربيين المنصفين أمثال جون جاك روسو وايريك فروم وروجيه غارودي ونعوم تشومسكي يوجهون نقدهم اللاذع لما وصلت له الحضارة الغربية من عنصرية تجاه الدين الإسلامي، فهذا الأخير _نعوم تشومسكي_ يعتبر أبرز المفكرين الذين يقفون في وجه السياسات الغربية التي تتخذ من فزاعة حفظ حقوق الأقليات الدينية و الثقافية لتقسيم الشرق الأوسط وتفتيته مقيمة شرق أوسط جديد يخدم مصالها فقط.
7_ لابد من تضافر جهود جميع الدول العربية الإسلامية، سواء على مستوى الحكومات أو على مستوى الشعوب، وتُحدث فيما بينها تعاون وتنسيقات عالية المستوى، وتكثيف الجهود أكثر على مستوى النخب الثّقافية بما أنها فئة تنويرية بإقامة مؤتمرات وندوات للتباحث في سبل بعث الهدي النبوي في نظرته لفكرة التعددية الدينية والثقافية، إلى جانب العمل على دعم منظمات المجتمع المدني والعمل على تغلغلها داخل النسيج الاجتماعي للمجتمعات العربية والإسلامية حتى تنتشر التوعية أكثر بمخاطر الفتن الطائفية، وأثر ذلك على الهوية الإسلامية ومدى تماسك المجتمع تجنبا للانزلاقات الوطنية نحو العنف والدموية.
8_ انتشار دواعي حوار الأديان وتمازج الثّقافات وتلاقح الحضارات والمعرفة الكونية إلخ …، كلها تقريبًا صنعت لأغراض سياسية بحتة ساعية إلى إحكام السيطرة على العالم، ونشرًا للنموذج الثّقافي الأمريكي، بدعوى أنها هي الأجدر بقيادة العالم كما أعلن عن ذلك صمويل هنغتون على اعتبار أنها ثقافة مركز القوة في العالم، فهي مجرد شعارات رنانة زائفة مزركشة بصورة بهية من الخارج، في حين هي انتهازية استعمارية من الداخل.
المصادر
1- القران الكريم
2- عبد الحكيم منصور / حكومة العالم الخفية / الماسونية والثورات العربية بين الحقيقة والافتراء/ القاهرة 2012
3- ماجد الغرباوي / اشكالية التجديد / دار الهدى للنشر / ط1 / 2001 : بيروت
4- ماجد الغرباوي / الضد النوعي للاستبداد / مؤسسة المثقف العربي / دار المعارف للمطبوعات /ط1 2010
5- مالك بن نبي /مشكلة الافكار في العالم الاسلامي / دار الفكر / سوريا /ط9
6- ماجد الغرباوي / منابع التسامح واللا تسامح / فرص التعايش بين الاديان والثقافات / الدار الحضارية للطباعة / ط1 بغداد 2018
7- نجيب الحصادي / جدلية الانا والاخر / الدار الدولية للنشر والتوزيع /ط1 : القاهرة 1996
8- اليكس ميشكيللي / الهوية / ترجمة علي وصفة / دار الوسيم / دمشق ط
/ دت / 1993