العثماني وضرورة القطع مع التوجه البنكيراني الكارثي والتفقيري
من سير المناقشة في اللجن البرلمانية والقانون المالي الجديد، اتضح للمغاربة أننا بصدد استنساخ ولاية جديدة بطعم بن كيراني خالص في المنظور للواقع، وفي الاقتراحات التنموية المعتادة المراهنة على دغدغة المشاعر فقط، كالتي قادها بن كيران والتي لا تختلف في التجارب الحكومية السابقة إلا في كم الصياح والنباح عن المنهجية الفذة الكفيلة بإخراج الوطن من عنق الأزمة إلى البديل الجديد المزدهر، في الوقت الذي لا تحمل فيه سياساته الإنتاجية والخدماتية والتدبيرية إلا نفس المنهجية التي اعتمدتها الحكومات السابقة، المكرسة للتراجع والفشل في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وآخرها حكومة بن كيران.
إن محصلة الولاية التشريعية السابقة التي لم تخضع للمحاسبة المجتمعية التي نفذت فيها حكومة بن كيران سياستها العمومية، تحت شعار الإصلاح في ظل الاستمرار، هي التي يحاول سعد الدين العثماني الاستمرار فيها، كما أوضحت ذلك محاور برنامجها الخمسة التي استنسخت فيها نفس التوجه التفقيري الذي ضاعف انتظارات المغاربة، التي لم تتمكن الحكومة السابقة من الاستجابة لها ولو في حدود معقولة.
تكشف الأرقام التي تضمنها التصريح عن هول المفارقات والأرقام الفلكية التي طرحها عن نسبة النمو في 5،4 %، وتخفيض البطالة إلى 8،8 %، والعجز في الميزانية إلى 3 %، وعجز النتاج الداخلي إلى 60 %، مما يعني أن التصريح مجرد مسودة اجتهادات رقمية انتقائية لا تلامس حقيقة الأزمة التي حاول ولا يزال حزب العدالة والتنمية يعالجها بالأدوية التي لا تتلاءم مع الأمراض التي يعاني منها الاقتصاد والمجتمع المغربي، نتيجة الارتهان إلى الوفاء والالتزام بالنصائح التفقيرية للمؤسسات المالية التي اعتمدت عليها حكومة بن كيران، والتي ستواصل العمل بها حكومة العثماني، رغم ارتفاع المديونية إلى 8،40 مليار درهم في إطار ما يسمى بتحقيق التوازنات المالية التي تحرص فيها حكومات العالم ثالثية أو النامية على سداد الديون وفوائدها للمؤسسات المالية.
إن معالم النهج الليبرالي الحر المتوحش في تصريح الحكومة الحالية وقانونها المالي الجديد لن يؤدي على الإطلاق إلى معالجة مربع الفقر والبطالة والمرض والجهل الذي يتفاقم نتيجة غياب الاطمئنان على السياسات العمومية التي تنهجها الحكومة الجديدة/القديمة، التي وصلت مؤشرات الفقر فيها إلى 60 %، والبطالة في صفوف الذكور إلى 25 %، وفي صفوف الإناث إلى 14،5%، واضمحلال ثقة المواطنين المغاربة في القدرة على مواجهة الغلاء إلى 87 %، ناهيك عن المؤشرات المخيبة للآمال في خدمات الصحة والتعليم والسكن، ويتبين من الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي والقانون المالي الجديد انعدام روح المبادرة الجادة في الاختيار التنموي لهذه الحكومة التي لن تتجاوز تصريف الأزمة الهيكلية ومواجهة الاحتقان الاجتماعي والشعبي بالمزيد من المسكنات التي لن تعالج الأمراض السرطانية التي تنخر جسد المجتمع المغربي والاقتصاد، وأنماط التدبير الحكومي بصفة عامة.
إذن، فإن هذا الحزب الذي يقود الحكومة الحالية يفتقر إلى البرنامج التنموي الذي يمكن أن يشتغل عليه، ويتضح ذلك في تهربه من تحمل المسؤولية في القطاعات الكبرى الأكثر التصاقا بالواقع اليومي للمواطنين في مجالات الصحة .. الثقافة والاتصال .. السكن .. التعليم .. الاقتصاد والرياضة، في الوقت الذي كان فيه هذا الحزب يروج إلى امتلاكه لبرنامج الإصلاح ومحاربة الفساد والاستبداد.
في نهاية هذا المقال، يشار إلى أن السيد رئيس الحكومة الحالية تحول إلى مجرد إطفائي في التدبير الحكومي، وإلى مجرد منسق لأداء الحكومة المشكلة للتحالف، وهذا يتعارض مع ضرورة امتلاك الحزب القدرة لتطبيق البرنامج الحكومي الذي يجب أن تنجزه الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي، واحترام أهدافه .. وهذا أيضا ما لا يوجد لدى حكومة العثماني التي هي كسابقاتها في الخضوع الأكبر للمؤسسات المالية الدولية، مما يسعفنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة على القول، بأن العثماني لن يتمكن من القطع مع النهج البنكيراني الوفي والمخلص لأولياء النعمة في توفير موارد الميزانية السنوية من الخارج فقط.