مبارك بلقاسم
ربما قد يتفاجأ أو يصدم بعض أنصار اللغة الأمازيغية المحبين لحرف ثيفيناغ إذا اكتشفوا أن الحرف أو الرمز ⵣ موجود أيضا لدى شعوب بعيدة غير أمازيغية مثل الجرمان في السويد والنرويج وألمانيا ولدى سكان مدينة هونغ كونغ Hong Kong الصينية. ومن الممكن أيضا أن بعض محبي ثيفيناغ، على العكس، قد يفرحون بانتشار الرمز ⵣ حاليا في مدينة عالمية متقدمة كبرى مثل Hong Kong رغم أن هذا الرمز الصيني لا علاقة له بالأمازيغية ولا بالأمازيغ وأن الأمر مجرد صدفة.
العلامة ⵣ هي الرمز الرسمي لشركة MTR للنقل العمومي في مدينة Hong Kong في الصين. وهذه الشركة تدير شبكة ضخمة من قطارات المترو السريع والقطار العادي والطوبيسات وشبكة من محطات التوقف وكلها تحمل الرمز ⵣ المنتشر عبر المدينة التي يبلغ سكانها 7 ملايين ونصف. ويمكن العثور بسهولة على صور علامة ⵣ على القطارات ومحطات الطوبيس والميترو في هونغ كونغ بكتابة عبارة Hong Kong Station أو عبارة Hong Kong MTR على موقع Google.
والموقع الرسمي لشركة MTR الصينية هو www.mtr.com.hk
حرف الزاي الأمازيغي التيفيناغي ⵣ حرف اخترعه الأمازيغ منذ قرون وحافظ عليه الأمازيغ الطوارق لقرون واستخدموه في النقوش الحجرية وأيضا في كتابة الرسائل بالأمازيغية. وما زال بعض الطوارق إلى اليوم يكتبون بعض رسائلهم العائلية بحرف ثيفيناغ الطوارقي (المختلف جزئيا عن حرف ثيفيناغ الذي يروجه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية – الإيركام).
ولكن هذا لا ينفي أن العلامة ⵣ قد اخترعت أيضا بشكل مستقل من طرف شعوب وبلدان أخرى بعيدة في أماكن منفصلة لا علاقة بينها، ولا علاقة لها بالأمازيغ.
ونجد العلامة ⵣ لدى شعوب أخرى من بينها الجرمان في الحرف الجرماني الروني Runic alphabet. ولدى الجرمان القدامى كان الرمز أو الحرف ⵣ يرمز إلى الرقم الذهبي 18 في التقويم الزمني الجرماني ويسمى هذا الحرف لديهم Tvimadur. وتوجد آثار ونقوش ومخطوطات بهذا الحرف الجرماني في السويد والنرويج والدانمارك وألمانيا وبريطانيا.
العلامة أو الحرف ⵣ تم اختراعه بشكل منفصل ومستقل من طرف عدة شعوب متباعدة ومنفصلة: الشعب الأمازيغي، الشعب الجرماني، الشعب الصيني في هونغ كونغ. والعلامة ⵣ تستخدم حاليا أو استخدمت في الماضي من طرف تلك الشعوب إما كحرف أو كرقم أو كعلامة.
وهناك علامات وحروف كثيرة اخترعت من طرف شعوب منفصلة بشكل منفصل دون أن يقتبس أحد الشعوب تلك الحروف من شعب آخر، حيث تم اختراع X و # و l و V في عدة مناطق منفصلة.
فمثلا الحرف X موجود في ثيفيناغ وينطق تاء (t) وموجود أيضا لدى عشرات الشعوب التي اخترعته بشكل منفصل وتستخدمه إما كحرف أو كعلامة.
والحرف V موجود في ثيفيناغ الأمازيغ الطوارق وينطقونه دالا (d)، بينما هو حرف منفصل في اللغات الأوروبية.
والحرف # موجود في ثيفيناغ الطوارق وينطق زايا غليظة (ẓ)، بينما يستعمل كرمز في الكتابات الأوروبية والأمريكية.
وكذلك الحرف “ا” أو l (الخط العمودي) نجده في الأبجدية العربية ونجده أيضا لدى شعوب عديدة اخترعته بشكل مستقل ومنفصل كحرف أو كعلامة. وكذلك الحرف أو الرمز O موجود في كل مكان تقريبا وتم اختراعه بشكل منفصل من طرف عدة شعوب. وكذلك الحرف أو العلامة + وغيرها.
إذن حالة الحرف ⵣ لا تختلف عن كثير من الحروف والعلامات الشائعة. وهو أيضا تم اختراعه من طرف شعوب مختلفة ومتباعدة وبشكل منفصل ومستقل.
أنصار ثيفيناغ يدافعون عن الحرف الأمازيغي ⵣ وعن ثيفيناغ والحروف الليبية الأمازيغية Libyco-Berber كتراث قديم، وهذا طيب. كما أن حرف ⵣ موجود على الراية القومية الأمازيغية أو راية Tamazɣa. ونجد الحرف ⵣ أيضا على راية منطقة القبايل الجزائرية وعلى راية منطقة الشاوية / الأوراس الجزائرية وعلى راية طوارق مالي في أزاواد Azawad. وهذه كلها رمزيات جيدة.
ولكن الحماس الزائد لدى كثير من أنصار ثيفيناغ يجعلهم أحيانا يتوهمون أن ثيفيناغ عموما وخصوصا الحرف ⵣ هو اختراع أمازيغي فريد من نوعه في العالم وأنه لا يوجد أي شعب آخر على وجه الأرض اخترع حروفا تشبهه أو تتطابق معه. وهذا يدفعهم إلى تقديس حرف ثيفيناغ والدفاع عنه كحرف لتدريس الأمازيغية بشكل يتعامى عن احتياجات الأمازيغية وظروفها الاجتماعية والسياسية في المغرب والجزائر
وبقية بلدان العالم الأمازيغي.
أما الحقيقة فهي أن ⵣ وغيره ليس اختراعا أمازيغيا حصريا فريدا من نوعه في العالم. وإنما اخترعه الأمازيغ القدامى بشكل منفصل ومستقل، وكذلك اخترعه الجرمان القدامى في اسنكاندينافيا بشكل منفصل ومستقل، وكذلك اخترعه الصينون في مدينة Hong Kong كعلامة لشركة النقل العمومي.
إذن فبهذا نفهم أن الحروف والرموز اختراعات بشرية وأن هناك حروفا ورموزا كثيرة متطابقة تم اختراعها في أمكنة مختلفة من العالم من طرف شعوب منفصلة وبشكل مستقل عن بعضها البعض.
وبهذا ننزع صفة التقديس عن الحروف ونعاملها بشكل براغماتي كمجرد أدوات لنشر اللغة وتنميتها، حيث نختار الحرف الأنفع والأقدر على إنجاح تدريس اللغة الشعبية وترسيمها ونشرها بين الناس.
وبهذه العقلية المطلعة نستطيع مناقشة مسألة الحرف الأنفع لتدريس وترسيم ونشر اللغة الأمازيغية في بلدان العالم الأمازيغي بشكل أفضل.
ومن يقدس ثيفيناغ لا يختلف عن من يقدس الحرف العربي ويصفه بـ”الحرف القرآني” و”الإسلامي”.
وفي رأيي ورأي الكثيرين من كتاب الأمازيغية يبقى الحرف اللاتيني الأنفع للغة الأمازيغية في الظروف الحالية السياسية والاقتصادية والسوسيولغوية (مثل نفوذ الفرنسية ونفوذ الحرف اللاتيني) بالمغرب والجزائر. فالأهم والحاصول هو اللغة الأمازيغية بكلماتها ومعانيها وليس الحرف.
وإذا انقرضت اللغة (الكلمات والنطق والمعاني والتاريخ المرتبط) فلا قيمة للحرف لأنه مجرد ديكور.
tussna@gmail.com