ذ.عبد اللـه عزوزي
أنا ابن قرية تسمى ب “دوار عين بوشريك”, قرية جبلية تطل على سد الوحدة، و التي لا يفصلها عن ضفافه سوى بعض مئات من الأمتار، لكن شبح العطش هنا، و مشاعر التصحر و الجفاف تعطيك انطباعا حقيقيا أنك تسكن في نواحي – لا أقول الراشدية و لا ورززات، و لا حتى تيشلة أو مرزوكة -، بل ربما في حارة جنوب ليبيا و شمال مالي، و ليس في إقليم يقرنُ ذكره في المخيال الشعبي بمنابع الماء و الوديان و السدود و غابات الزيتون و التين و اللوز ..!
الدوار خالي تماما من منابع المياه، و المنبع الوحيد الذي كان يُفتَرضُ فيه أن يكون منبعا هو السقاية التي بنتها الشركة التي آلت إليها صفقة تزويد ساكنة جماعة الورتزاغ، المُتكَتلةِ في شكل مجموعة من الدواوير التي تشكل قلادة حول خصر سد الوحدة، بالماء الصالح للدوش سنة ٢٠١١، أي بعد سنة واحدة من الزيارة التاريخية لملك البلاد لجماعة الوردزاغ من أجل إعطاء انطلاقة ذلك الورش الاجتماعي التاريخي، و هي الزيارة التي حجت إليها ساكنة المداشر عن بكرة أبيها للتيمن بطلعة صاحب الجلالة والاحتفال بقدوم عصر الحياة ما دامت الآية الكريمة تقر بأن الماء هو مصدر الحياة، مصدر كل بنيان و حضارة أو استقرار، و غيابه يعني الجفاف و استحالة الحياة ..!
الساكنة الآن تعيش على وقع خيبة أمل حادة .. و لعل زيارة معاينة للقنوات التي تم مدها و للسقايات التي اكتمل “غرسها” في كل ربوع الجماعة، و التي تحولت إلى مجرد أطلال من الحقبة الفرعونية، لكفيل بتلخيص الوضع و إعطاء صورة مصغرة، لكنها دقيقة و دالة، عن الكيفية التي يتم التعامل بها مع المشاريع المولوية بهذا الإقليم (تاونات) و كيف تُدارُ ميزانيات المال العام به، بل و كيف يتم تعذيب الناس هنا كما لو أنهم ” قوم عاد أو أحفاد ثمود ” و ليسوا أولائك الكومبارس الماهر الذي يؤثث المشهد بصدق و إخلاص و يرسم الخرائط السياسية و المجالسية دون أن يشعر بملل أو ضجر ..!
فماذا تركت هذه الظروف التي أوقفت الحياة و الأنشطة البشرية بالكامل في قلوب الناس من تعلق بهذه الأرض ..؟ وهل يمكن لمهرجانات هنا و هناك أن تطمس حقيقة وضع مزري يعلو على ضحاياه، بعدما أنهكهم، و لا يعلى عليه ..؟ لماذا تلتف المجالس و الوكالات و السلطات حول كل هرج أو مرج، فتشجعه و تمده بالمال و الجند والعتاد، ولا تتحمس لمشروع ملكي سامي تحافظ به على هبة و احترام الدولة، مشروع ظل يشوش على إيمان المواطنين بوطنهم و وطنيتهم منذ ظهور معالمه الشبحية الأولى قبل ثماني سنوات، ميلاد تزامن مع قدوم مواليد هم الآن في السنة الثانية ابتدائي، و قد أصبح جلب الماء لأسرهم و لدواب عائلاتهم من أماكن بعيدة مهمة يومية لا مناص منها٠ فهل يا ترى ينتظرون حصولهم على الباكالوريا حتى نشهد ميلاد شيء ما ..؟!