مهما ستكون الردود عن هذا المقال لتبرئة الذمم والتهرب من تحمل المسؤولية فيما رافق عملية صياغة القوانين التي انتخب بها المجلس الوطني للصحافة وأهدافها، فإن ملامح الفضيحة وأركانها قد بدأت تعلن عن نفسها عبر خرجات المعارضين والمهمشين الذين تحرروا من الخوف ومن الوصاية عن مواقفهم في الهيئات التي ينتمون إليها، وبعيدا عن التشفي في الذي وقع بمناسبة التنزيل الدستوري للمجلس الوطني للصحافة، نقول من موقعنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن لصوص الحلم المسروق من عامة الفاعلين المهنيين يعرفون أن التاريخ لا يرحم، وأن العربة لا يمكن أن تسير بدون عجلات سليمة وقوية.
إن ما يثير الشفقة في هذا الملف الإجرامي، هو أن المشاركين في الطبخة ومسرحية العملية الانتخابية للمجلس الوطني للصحافة، هم الذين يتحدثون ويعترفون وينتقدون ما كنا قد أوضحناه في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، قبل واقعة الانتخاب المطعون في شرعيته القانونية على عهد وزير الاتصال السابق، سواء في صياغة القوانين الجديدة بدون مقاربة تشاركية ونقاش عمومي قبل المصادقة عليها بأغلبية تحالفه الحكومي، الذي كان يقوده عبد الإله بن كيران الذي لم يكن يخفي عداءه وكراهيته للصحافة والصحافيين .. ويكفي أن محاولة تمرير طبخة قانون المجلس الوطني للصحافة كشفت عن هوية الأطراف التي ساهمت في مهزلة انتخاب المجلس الوطني للصحافة قبل تنصيبه، ولن نكون أكثر شجاعة من أهل البيت الذين أرادوا إخراج هذا المولود المؤسساتي معاقا من لحظة ولادته.
في مثل هذه اللحظات التاريخية التي لا تتكرر، على أبطال المسرحية ضرورة الخروج عن الصمت والدفاع عن قرينة البراءة التي يلوحون بها، فما يوجد في عناصر التهم الموجهة إلى ممثلي النقابة الحزبية والناشرين الذين أشرفوا على الطبخة من قبل المهنيين المحسوبين عليهم يكفي وحده للتحرك للدفاع والاعتراض والاحتجاج ضد خصومهم المتمردين عليهم اليوم، وإن لم يتحركوا فالمعنى البسيط لذلك أنهم متهمون إلى إشعار آخر، وليست لديهم الشجاعة في المواجهة .. وبالتالي، كل ما ستكشف عليه الملاسنات والاتهامات سيجعل من الصعب الخروج من هذه المعركة بأقل الخسائر المعنوية والقانونية والمادية.
إذن، أي شرعية للمجلس الوطني للصحافة، بعد الكشف عن الحلم المسروق في عملية انتخابه ..؟ وهل هناك للأطراف المعنية بهذه الولادة ما تدافع به عن نفسها وتبرئتها من التهم المنسوبة إليها ..؟ وهل يصح الاستمرار في باقي الخطوات التي تتعلق بتنصيب هذا المجلس الذي ولد معاقا قبل أن يمارس وظائفه ..؟ أم أن الواقع يفرض إعادة الأمور إلى أهلها والدعوة إلى حوار وطني حول المجلس الوطني للصحافة والقانون الذي يجب أن ينتخب به بعد الفصل القضائي في الطعون ..؟
لا يحق لمن قبل بما تم تحضيره وصياغته لهذه الجريمة التي انتهكت فيها الديمقراطية في أبسط مظاهرها، أن لا يعترف بمشاركته، وأن ينسحب منها بعد أن اتضحت له أركان الجريمة، إلا إذا كان مؤمنا بمتطلبات الديمقراطية وشروطها الدنيا، فبالأحرى في المجلس الوطني للصحافة الذي عبث بمشروعيته هؤلاء المحسوبين على منظمات نقابية للدفاع عن المهنيين والناشرين.
سنقبل في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، بمن استرجع وعيه ويقظة ضميره في هذه الفضيحة، ونؤيد الموقف المعارض الذي اتخذه حتى لا يصنف ضمن لصوص الحلم المسروق في عملية انتخاب المجلس الوطني للصحافة، التي كنا نترقب أن يتخندق هؤلاء في الصفوف الأولى للمطالبين بتصحيح الأخطاء، وإجراء الانتخابات بعد حصول الاقتناع الجماعي بضرورتها في واقعنا الذي انتصب المدافعون عن نزاهة انتخابه.
إن المهنيين يعرفون لصوص حلمهم المسروق، وليسوا في حاجة إلى التعريف بالهيئات التي ينتمون إليها التي خرجت من داخلها اليوم هذه الأصوات المنددة بالخروقات المرتكبة في حق أنبل وأشرف مهنة، التي وصفها أحد المعنيين بفضيحة الانتخاب “بمهنة من لا مهنة له” .. ولنا الأمل في المهنيين الشرفاء أنى كان انتماؤهم وتوجههم المذهبي والسياسي، الذين عليهم تقع مسؤولية تحرير المشهد الصحفي والإعلامي من هذه الممارسات المضرة بمصداقية نبلها الحضاري والمهني.