ذ. عبد الرحمان مجدوبي
من أجل الانتظار ترص الصفوف والخيالة والقينات، وتنصب الكراسي والطاولات، وتتحف بجرائد ومجلات رثة تشكو حالها وتجهل مآلها، وتزين القاعات وتعطى المواعيد الطويلة الأمد، فنحن شعب صبور ليس في عجلة من أمره، والوقت كله غنيمة، ننتظر الصلاة والشتاء والفرج والغد المشرق والأحلام السعيدة والرقي إلى المعالي، ننتظر المهدي الغائب، والمسيح الدجال، وياجوج وماجوج، واليوم الآخر للعدل بيننا والفصل في منازعاتنا، فكيف لا يقدر مريض بعد كل هذا على الانتظار شهرين أو ثلاث، ليحل دوره ويكشف عنه ممرض متدرب، أو أسبوعين أو ثلاث ليحصل على عقد ازدياد، أو عشر سنين أو عشرين ليحصل على شبه وظيفة، أو العمر كله ل ي ح صل وعدا منحه إياه منتخب كان حقيقة فصار خيالا، أو الحياة كلها ل ي ح صل ميتة كريمة شريفة بين يدي من أحب .. كيف لا نصبر وقد حملنا منتخبينا فوق أكتافنا كما تحمل البعير سنامها وترفع غبيطها، وكما تحمل الأم ولدها فيعتريها من بوله ما يعتريها، لكنها تبقى مبتسمة راضية تعيد الكرة، فكانت الجنة تحت أقدامها، وكانت النار فيما حملنا على أكتافنا، كيف لا نصبر والصبر جميل، والأمل طويل إن لم يمسنا نفعه مس أبناءنا أو أحفادنا إذ غرس آباؤنا فأكلنا ونغرس فيأكلوا ما زرعنا.
يقول نجيب محفوظ: “الانتظار مؤرق ولا شفاء منه إلا ببلسم الخلود” فالصبر توأم الانتظار، والصبر مفتاح الفرج قولة تم تسييسها و أدلجتها لنعيد إنتاج نفس البنية المتحكمة المسيطرة، كي لا نغضب وتثور ثائرتنا، وإن غضبنا فنحن مدعوون أيضا بلسان من يفهم ما لا نفهم لبسط الأرض تحتنا فراشا يمتص سلبيتنا ويفتت الصدأ الذي خلفه الانتظار فوق أجسادنا، ويمدنا بإيجابية تطأطئ على أكتاف من ضيع حقنا وسلبنا فهما نفهمه ولا يفهمه غيرنا، فنحن نقول: يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذائها .. ولسان حال جلادينا يقول انتظروا ولا تستعجلوا فالعجلة من الشيطان، والتأني يجنبنا مآسي فقدان السلم الاجتماعي كما فقد في باقي البلدان، لسان حال جلادينا يقول: سياطنا حرير وأيدينا من براءتها ناعمة، وأعيننا من خجلها نائمة، وألسنتنا لا تفقه سوى الكلمة الطيبة متى كانت آذانكم صاغية غير واعية.