التسامح وفرص التعايش بين الأديان والثقافات بين الواقع والمأمول .. دراسة نقدية في فكر ماجد الغرباوي (1)
*ذ. عباس أعومري
*ذة. خولة خمري
هذه المداخلة المشتركة، بين ذ. عباس أعومري و ذة. خولة خمري، كانت خلال فعاليات المؤتمر العلمي التاسع، تحت شعار:
النهوض بالبحث العلمي خطوة أساسية في بناء العراق الموحد
يعد موضوع التّسامح والتّعايش بين الأديان والثّقافات أحد أهم المواضيع التي باتت تطرحُ نفسها بقوة في إطار القضايَا المُهمة في الفكر الإسلامي المعاصر، وذلك لما أصبح يكتنف عصرنا من تخبطات على المُستوى العالمي، فما أحوج عالمنا لإشراقات ربانية تهدينا السبيل الصحيح للتعامل مع الاختلاف الدّيني والثّقافي، وتبعدنا عن الخطاب الديني المتطرف، وترينا سبل إرساء معالم التّسامح والتّعايش المشترك الذي أصبح هاجس العالم نتيجة فقدان البوصلة الربانية الصحيحة ما جعلنا في موضع المتخبط الباحث عن سبيل للنجاة.
وسط هذا العبث الانطولوجي يدعونا ذلك إلى طرح العديد من الأسئلة التي تبحث في سبل إماطة اللثام عن الكيفية الصحيحة للتّعامل مع قضايا التعددية الثقافية والدينية، وذلك من خلال رؤية نقدية متفحصة لطالما عرف بها المفكر العراقي المعروف ماجد الغرباوي، الذي اشتغل على قضايا التعايش بين الأديان والثّقافات المُختلفة من وجه نظر إسلامية صحيحة تدعو للتّعايش، بعيدًا عن تلك الخطابات الدوغمائية المتعصبة.
أمام أهمية الموضوع في هذه الورقة، نحاول في نوع من المقاربات النقدية التفكيكية إجلاء وبيان النظرة الإسلامية المعتدلة لقضايا الاختلاف الثقافي والديني التي تُعد أحد أهم الموضوعات المهمة في الفكر الإسلامي والتي عالجها المفكر العراقي ماجد الغرباوي، وهو ما يضعنا أمام العديد من الإشكاليات العميقة التي سنعمل على بيان موقف الغرباوي منها، مقارنة بما يراد الترويج له وإظهاره للعالم تشويها لصورة الإسلام وتزييفا لهويته السمحة.
الكلمات المفتاحية: التعددية الثّقافية، فرص التعايش، ماجد الغرباوي، الاختلاف الديني، قضايا العصر.
Abstract:
During this arbitrary interfere, there is a strong need the put many questions that aim to show the ways of discovery the appropriate made of dealing with several aspects such as the cultural and the religion ones .The Iraqi thinker “Majad Al-Qarbawi” was characterized with having a critical vision which directs him to interact with the different cultures and religions by considering an appropriate religion point of view. As such, this vision deals with the cohabitation and peaceful coexistence far away of the contrasting and fanatic discourses.
مقدمة:
إنّ التطرق للحديث عن فرص التسامح والتعايش بين الأديان والثّقافات والسعي إلى بعث قيم التسامح من جديد من بين المواضيع التي تشغل الساحة الثّقافية العربية والإسلامية بشكل كبير، خاصّة في أيامنا هذه بعد ما سمي بثورات الربيع العربي، فقد أصبح هذا الموضوع موضوع الرأي العام، خاصّة في ظل تصاعد وتيرة الحروب الثّقافية وتفشي ظاهرة الخطابات التكفيرية التي أصبحت هاجسًا خاصّة للدول الضعيفة الفعالية في مسرح العلاقات الدولية، وهو ما حدا بالدول العربية والإسلامية إلى تكثيف الجهود أكثر سعيًا للحفاظ على الهوية الإسلامية الصحيحة، وترسيخ قيم الفكر الوسطي وقبول الآخر بإقامة ملتقيات وعقد ندوات للبحث والتخابر في سبل إماطة اللّثام عن هذا المخبوء في علاقته بالقوى العالمية الامبريالية، التي تحاول إلصاق التهم بهويتنا الإسلامية، فالتحول الاستعماري اليوم أخذ سبلاً جديدة و وسائل عديدة مختلفة عن تلك التي عهدناها مع الاستعمار التقليدي المباشر.
لقد أصبح السباق من مضمار التسلح إلى مضمار السيطرة الثّقافية، لتصبح الثقافة السائدة هي الثّقافة الغالبة، والثّقافة التابعة هي الثّقافة المستلبة من طرف الثّقافة الغالبة، وهو حال ما نراه اليوم من تلك العولمة الفكرية والاستلاب الثّقافي لبنية الهوية الإسلامية التي تشهد غزوًا رهيبًا لمقوماتها من طرف الثّقافة الغربية التي تحاول إلصاق الفكر التكفيري بتاريخنا، بطرق وأساليب متعددة ومتنوعة، خاصة مع تحول العالم إلى قرية كونية صغيرة، الأمر الذي زاد من وتيرة هذا الغزو المنظم في نظامنا الاجتماعي والسياسي، ناهيك عن نسقنا الثقافي الفكري المبثوث في نصوصنا التراثية، خاصة في ظل التحول العالمي إلى نظام القطب الواحد .. وبالتّالي، الثّقافة الواحدة إثر بروز معالم النظام الدّولي الجديد بداية من تسعينيات القرن الماضي.
*باحثان من الجزائر يتبع