بين تطور المرأة الديني وتخلف رد فعل التيار الكهنوتي التكفيري
سمحت فتاوى فقهاء التكفير والتخوين ضد الدكتورة أسماء المرابط بالتميز الإيجابي، بين دعاة الاجتهاد في النقل الديني وتيار الممانعة، والرفض السلفي التقليدي، حيث بدت المسافة كبيرة بين ما يطالب به المتحمسون لفقه المقاصد، والمتمسكون بفقه النوازل .. فما عبرت عنه الدكتورة أسماء لم يصل إلى الطعن في ثبوتية النص القرآني حول حق المرأة في الإرث، وإنما كان هدفها فتح النقاش لإيجاد المعالجة الفقهية التي تسمح للمرأة بتحسين وضعها الاقتصادي والاجتماعي الذي أصبحت فيه شريكا للرجل في تأمين حاجات المجتمع والأسرة، في الوقت الذي هوجمت فيه الدكتورة المرابط بالخروج عن العقيدة والافتراء على النصوص القطعية الثبوت، وهذا ما لم ترق إليه مبادرة الدكتورة التي قدمت استقالتها من عضوية إحدى لجن المجلس العلمي في طنجة
إذن، كفى من الفكر الكهنوتي المناهض للحرية في النقد والتفكير يا علماء ومنظري السلفية .. فمناخ مجتمعنا الإسلامي المتعدد في مذاهبه وطوائفه أصبح يقتضي تدبير الخلاف بعيدا عن فتاوى التكفير، ومع الحق في الاختلاف في الرأي والاجتهاد، وإن كنتما يا القباج والكتاني تعتبران أنفسكما أصحاب الحل والعقد في مجتمعنا الإسلامي، فتأكدا أنكما خارج الجماعة، وأن فتاواكما متخشنة ولا علاقة لها بسماحة السنة النبوية والحرية التي نص عليها القرآن الكريم، وأن رحابة الإسلام تسمح باستيعاب الاختلاف بين المفسرين والمتحدثين من علماء هذه الأمة
فإننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، إذ ندافع عن أسماء المرابط من ماجاء في خرجات القباج والكتاني، فإننا في الواقع ندافع عن حرية المسلمين في التعاطي مع جميع النصوص الدينية، وتشجيع المحاولات الجادة في الارتقاء بأنماط الوعي السائدة بين المسلمين حولها، والدفاع عن المجتهدين الذين يبحثون عن ملاءمة النصوص مع معطيات الواقع الذي يعيش فيه المسلمون اليوم، وإصلاح الأعطاب التي لا زالت تحول دون الحق في استعمال العقل والنقد اللذين نوه بهما الإسلام دائما.
لا يهمنا ما قاله القباج والكتاني في حق أسماء المرابط، فالرجلان خرجا عن إجماع الأمة في النعوت القدحية ضد الأستاذة التي حاولت فقط تحريك الحوار حول ما جاء في نصوص العقيدة اتجاه الإرث ونصيب المرأة منه، ولم تكن تدعو إلى تجاوز قطعية النص القرآني والدعوة إلى تغييره أو تجاوزه، وكانت مقاربتها من أجل شحن العقول على التفكير في هذا النص القطعي لإيجاد المعالجة التوفيقية التي تسمح للمرأة في الاستفادة من روح النص على ضوء واقعها الراهن، الذي أصبح فيه حضور المرأة يقتضي ما يناسبه في تقوية الحقوق، حتى يكون هذا الحضور الفاعل للمرأة ملائما مع الوضع الاقتصادي الذي منحه الإسلام لها، كشريك للرجل في كل جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والحقوقية
لن نخترع جديدا في الحديث عن ما أصبح للمرأة من حضور وازن في المجتمع الإنساني المعاصر، ومن قدرة على إبراز مؤهلاتها في الإنتاج والتدبير والتفكير، وبالفعالية والجدوى في جميع المجالات التي كانت حكرا على المجتمع الذكوري الذي لم يتحرر بعد من رؤياه الدونية المتخلفة، ومن وعيه السلبي اتجاه المرأة .. ونظن أن علماءنا الأجلاء الذين نحترمهم أصبحوا مطالبين بتصحيح أخطائهم وأحكامهم الجاهزة التي تنظر إلى المرأة كجزء من متاع البيت والأمة والجارية والضلع الأعوج إلى آخر القائمة التي ترفض مشاركتها وحريتها في المجتمع، فبالأحرى ما يتعلق بإصلاح النصوص التي عفا عنها الزمن، التي تقلل من حقوقها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أصبحت تطالب بها في شروط حياة المجتمع الإنساني المعاصر