د. الصديق بزاوي
الإسلامي يعتمد مرجعية وحيدة
أما القول بان النظام الإسلامي يعتمد مرجعية وحيدة بخلاف النظام العلماني الذي يعتمد مرجعيات متعددة، فكلام المشروع مردود لأنه لا مانع شرعي يمنع من اعتماد جميع الأساليب والنظريات التي توصل إليها عقل الإنسان في مجال العلوم السياسية، بل لامانع من تبنيها مرجعيات ثانوية .. لكن، شرط ألا تعلو على المرجعية العليا الإسلامية، لأن ذلك من شرط انضباطها للشريعة التي اعتبرناها المرجعية الأسمى والتي لا تسمو عليها مرجعية أخرى، لان ذلك من مقتضيات الإيمان بالوحي الإلهي، وقد أوضحنا هذه المسألة في مناسبة سابقة .
وحرصا على إلصاق تهمة الاستبداد على المشروع الإسلامي، من خلال التجارب التاريخية التي مرت بها الأمة الإسلامية، يقول علماني آخر محذرا المسلمين من رفض العلمانية ما يلي:
1) الآية..سورة…
2) فسيأتي توضيحه لاحقا عند معالجة إشكالية الديمقراطية والشورى ..
متى صار الحاكم صاحب سلطة دينية إلا وصار مستبدا
” لو أن الذين يرفضون العلمانية من المسلمين، راجعوا التاريخ الإسلامي، قديمه وحديثه، لوجدوا أن الاستبداد الديني يؤدي إلى الاستبداد السياسي- أي متى صار الحاكم صاحب سلطة دينية إلا وصار مستبدا بالعباد .. ذلك، أن إقامة السلطة السياسية على قاعدة دينية تجعل الحاكم حاكما بإرادة الله وظله في الأرض لا يعصى له أمر ولا يخالف له رأي” وللبرهنة على ذلك ضرب لنا المتدخل مثلا لذلك الحاكم المستبد في نظره قائلا:
“ففي خطبة لأبي جعفر المنصور في مكة قال: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه .. اسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارس على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه”
مرة أخرى أخرى يتأكد أن جل العلمانيين المسلمين لايزالون يسقطون واقع المسيحيين على واقع المسلمين فيتوهمون أن تبني مشروع الدولة الإسلامية هو إعادة إنتاج نظام الدولة الدينية الللاهوتية التي حكمت أوروبا خلال القرون الوسطى، والتي أقبرتها الثورة الفرنسية، ونتيجة لهذا الخلل في تحليل التاريخ يتوهمون أن خلفاء الدولة الإسلامية وسلاطينها مثلوا إرادة الله سبحانه ونابوا عنه في الأرض، وأن تصرفاتهم السياسية ماهي إلا تنفيذ لأوامر إلهية .. ولايجادل أحد في كون مثل هذا النظام يشكل قمة الاستبداد.
أما تاريخ المسلمين فيبرء من هذا رغم أنه لا يخلو من سلبيات كثيرة، ونكتفي بالإحالة إلى الفقرة السابقة التي تناولنا فيها الدولة الدينية اللاهوتية، وأكدنا فيها أن الدولة الإسلامية المنشودة دولة مدنية
أما فيما يخص الاستشهادات التي اعتمدها العلماني والتي تتمثل في بعض الكلام الذي جاء في خطبة لأحد خلفاء المسلمين “أبو جعفر المنصور” والذي قال فيها أنه “سلطان الله في أرضه .يسوس أمته بتأييد من الله عز وجل ويحرص مال الله ويتصرف فيه بمشيئته وإرادته وإذنه سبحانه .” فإن المسألة لاتعدو أن تكون نتيجة سوء الفهم أو تعسف في التأويل .. ومن الملاحظ أن جل العلمانيين الذين جادلناهم من خلال هذا الكتيب، يستشهدون بوقائع تتعلق بسلوكات حكام مسلمين، والتي قد تكون مجرد قولة عابرة في مناسبة معينة، كما جاء في هذا التدخل الذي نحن بصد التعقيب عليه، ومما يزيد في عدم موضوعية هذا الأسلوب أنما جاء في خطبة ( أبي جعفر المنصور) هذه قد يساء فهمها، فكونه ” سلطان الله في الأرض” أنه جند من جنود الله مكلف بإقامة شرع الله على خلقه حسب استطاعته، وأنه يطلب من الله عز وجل أن يوفقه ويسدده ويؤيده ليقوم بهذه المسؤولية بالوجه الذي يرضي خالقه .. أما قوله كونه ” حارس على ماله” فأمر لا يشكك فيه المؤمن، لأن المال مال الله يبتلي به سبحانه عباده ليحرسونه ويحافظون عليه ويحسنون إنفاقه فيما أمر الله أن ينفق فيه ومن غير إسراف ولا تبذير، ولا يتحقق ذلك إلا بتوفيق من الله ومشيئته .. ومن المعلوم، فكل حركة يقوم بها المسلم إلا وتجسد إرادة العزيز الجبار الذي يقول وقوله الحق ” وما تشاؤون إلا أن يشاء الله” .. فهذه عقيدتنا التي نسال الله أن يثبتنا عليها ولا يزيغ قلوبنا بعد أن هدانا آمين .
وحتى لو افترضنا أن (ابو جعفر المنصور) أو غيره، يقصد بالفعل أن موقعه على رأس السلطة يخوله الحق في التصرف بشكل مستبد ومتسلط، فإن هذه القولة لا تخص إلا صاحبها ولا يجب تعميمها على كل حكام دول المسلمين وتوقعها في مشروع دولة إسلامية منشودة في هذا العصر الذي تفصله عن عصر (أوجعفر المنصر ) أكثر من إحدى عشر قرنا، وخاصة أن محاورنا أقر في مناسبة أخرى بكون الإسلام مليء بالقيم السياسية السامية، وذلك عندما كتب يقول : “صحيح أن الإسلام لم يحدد طبيعة الحكم .. ولكنه، وضع مقاصد ينبغي الاهتداء بها وأسسا يجب احترامها، منها احترام سيادة الأمة واختياراتها الحرة، اعتبار الحاكم نائبا للأمة وخادما لمصلحتها، نفي كل القدسيات عن الحاكم .. وهذه الأسس هي نفسها التي تقوم عليها الديمقراطية …”